في يومها العالمي.. “لغة الضاد” من أين يأتيها الخطر وما هو مستقبلها؟

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » في يومها العالمي.. “لغة الضاد” من أين يأتيها الخطر وما هو مستقبلها؟
arabic kids in the school, classroom wit a teacher

لم تعُد اللهجات المحلية هي مصدر التهديد الوحيد للغة الضاد التي يتحدثها ما يزيد على 422 مليون شخص حول العالم، فالمؤسف أيضاً أن أجيالاً جديدة أصبحت تنشأ على لغة هجين هي مزيج بين #العربية والإنجليزية أو الفرنسية ليصبح استخدام أكبر قدر من الكلمات الأجنبية في الحديث العادي دليلاً على الرقي والمستوى التعليمي الرفيع، وليصبح اللحن في نطق العربية عادياً لا يُثير الانتباه أو السخرية التي قد يُثيرها الخطأ في نطق كلمة غربية، فهل يحتاج الأمر إلى وقفة حاسمة من أجل الحفاظ على لسان العرب، وما هو مستقبل اللغة العربية، ومن أين يأتيها الخطر؟

من أين يأتيها الخطر؟

من جهتها، قالت الدكتورة أنيسة قنديل –عضو مجمع اللغة العربية في فلسطين- لـ"بصائر:" إن اللغة العربية بلغت بفضل القرآن الكريم من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا، فحقٌ لنا أن نفتخر بها لجمال عباراتها، فالعبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت ".

وأكدت قنديل على أن اللغة العربية يأتيها الخطر من عدة جهات، "أولاً: من التغريب الزاحف والعاميّة الجارفة، فكثير من العرب يفخر بغير لغته حتى صار من الموضة عند كثير منهم التحدث بالإنجليزية والتباهي بترديد مفرداتها ، وثانياً: قيام وزارات التربية والتعليم في الدول العربية بتدريس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وأصل هذه العلوم كان بالعربية في عهد الفارابي وابن سيناء وابن النفيس وجابر بن حيان، فضعف فهم الطالب لهذه العلوم ونسي لغته العربية الأم".

د. أنيسة قنديل: أصبح استخدام أكبر قدر من الكلمات الأجنبية في الحديث العادي دليلاً على الرقي، وأصبح اللحن في نطق العربية عادياً لا يُثير الانتباه أو السخرية التي قد يُثيرها الخطأ في نطق كلمة غربية

وأضافت "ثالثاً: انتشار لغة هجين" العربيزي- الفرانكوفونية" وهي مزيج بين العربية والإنجليزية أو الفرنسية ليصبح استخدام أكبر قدر من الكلمات الأجنبية في الحديث العادي دليلاً على الرقي والمستوى التعليمي الرفيع وليصبح اللحن في نطق العربية عادياً لا يُثير الانتباه أو السخرية التي قد يُثيرها الخطأ في نطق كلمة غربية".

وتابعت "بالإضافة إلى تشجيع وقبول نظم الأشعار بالهجة العامية، فأكثر الأشعار الآن باللغة المحلية وهي لغة محليّة دارجة سوقية تعقد لشعرائها مسابقات وجوائز ثمينة، بينما شعراء العربية التهمهم الإهمال والتجاهل".

وأردفت قنديل قائلةً:" كما أن اهتمام الأهل بتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية وتفعيلها على اللغة العربية يعد خطراً كبيراً يتجاهله الأهل، بالإضافة إلى اشتراط المؤسسات الحديثة والبنوك والشركات إتقان المتقدم للغات الأجنبية كشرط رئيس لقبوله للعمل بها".

أسباب تدهور استعمال اللغة العربية

وحول الأسباب التي جعلت اللغة العربيّة تعاني في الآونة الأخيرة من ضعف كبير، في القراءة والكتابة والتحدث، أوضحت قنديل أن عدم استعمال اللغة العربيّة للتخاطب في المدرسة والحصة الصفية والمحاضرات والندوات يعد من أبرز الأسباب.

وأضافت أنه لا يتم تعيين مختصين باللغة العربيّة لتدريسها، واستبدالهم بأي معلم تربية عامة، غير مؤهل لتدريس اللغة العربيّة، وخاصّةً في المرحلة الأساسية الدنيا.

واسترسلت "كما أن إهمال معلمي اللغة العربية للغة العربيّة الفصحى أثناء الشرح، وعدم تشجيعهم الطلاب على التحدث بها، بالإضافة إلى عدم اهتمام معلمي المباحث الأخرى بتوظيف اللغة العربية أثناء الشرح كل ذلك جعل اللغة تعاني من الضعف".

ولفتت قنديل إلى أن استخدام أسلوب نمطيّ مملّ للطالب أثناء التدريس، بسبب عدم تنويع المعلم لطرق وأنشطة تدريس اللغة العربيّة، وعدم استخدام الوسائل التعليمية والتكنولوجيّة الحديثة، عمّق المشكلة.

ونوهت إلى أن الاستخدام السيء لوسائل الإعلام للغة العربيّة، واستبدالها باللهجات العاميّة، وقلة اهتمام الأهل بتعليم أبنائهم اللغة العربيّة، واختيار اللغات الأجنبيّة كلغات بديلة ورئيسيّة، وعدم توجيه الأهل لأبنائهم لحب المطالعة والقراءة التي تلعب دوراً كبيراً في تنمية المهارات الحوارية واللغوية، بالإضافة إلى اهتمام الأجيال الجديدة بشكلٍ خاص، باستعمال الأجهزة الذكية، للعب، والتواصل الاجتماعي، غير البنّاء يُعد من أسباب تدهور استعمال اللغة العربية.

ما هو المطلوب من كل عربي

وقالت قنديل:" إن اليوم أصبح من الواجب على كل عربي غيور أن يهب لحماية لغته من الفناء وينقذها من الموت، كل في حقله وتخصصه، فأهل التربية والتعليم والمفكرون والمثقفون والأدباء ورجال الإعلام هم المسؤولون عن العربية أمام الله ثم الأمة والتاريخ ".
واستدلت قنديل بقول أبو منصور الثعالبي-إمام اللغة-:( من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب الرسول أحب القرآن ومن أحب القرآن أحب العربية؛ لأن القرآن نزل بها، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها، وثابر عليها، وصرف همَّته إليها).

وذكرت أنه من الشرف العظيم والمجد المنيف لهذه الأمة أن كتابها عربي ونبيّها عربي، ولكن المتسوّلين على أبواب الأجنبي والمتطفلين على موائد الغير يرفضون هذا الشرف ويفرّون من هذا المجد.

ما هو الحل؟

وقالت قنديل:" إن الحل أن تتبنى الحكومات العربية ميثاق شرف حماية العربية، وأن تلتزم بالعربية لغة رسمية في كل شؤونها كما فعلت كل أمم الأرض، ويُعلَّم الجيل لغته الأم، ويُوقف في وجه كل دعوة للتغريب والتشويه والعامية، لنحافظ على هويتنا كعرب اختارنا الله للرسالة الخاتمة والدين العظيم والملة السمحة".

قنديل: الحل أن تتبنى الحكومات العربية ميثاق شرف حماية العربية، وأن تلتزم بالعربية لغة رسمية في كل شؤونها كما فعلت كل أمم الأرض، ويُعلَّم الجيل لغته الأم، ويُوقف في وجه كل دعوة للتغريب والتشويه والعامية

مستقبل اللغة العربية

وشددت قنديل على أن اللغة العربية في خطر" وعلينا أن نخشى على مستقبلها، لكن العربية لن تنقرض أبداً لأنها لغة القرآن التي تكلف تعالى بحفظها، والقرآن ضمان بقائها وليس هذا ما نخشى عليه، إنما نخشى على تهميشها ودورها في الحياة والحضارة، وللأسف أنها لا تتعرض للتهميش من الخارج فقط، وإنما أيضاً من الداخل وهو الأخطر"، على حد تعبيرها.

وقالت:" إن المسلمين يعملون على تهميش لغة دينهم أكثر من غيرهم، ويقللون من دورها ويهملون أهميتها ، فلا نستغرب من ميول الشباب المسلمين عن العربية؛ لأنهم لا يفتخرون بها ولا يعتبرونها هوية لهم، ومن هذه الظاهرة المؤلمة يأتيها الخطر".

التدريس باللغة الفصيحة أولى خطوات الاتجاه الصحيح

منيرة منصور: يجب أن يكون التدريس في مختلف المراحل باللغة العربية الفصيحة وتجنب اللغة العامية «الفضيحة»، كخطوة أولى في الاتجاه الصحيح نحو حماية «العربية» وتكريس استخدامها.

ومن ناحيتها قالت منيرة منصور – معلمة اللغة العربية في مدرسة الشاطيء بغزة-: "إن الاعتقاد بأن اللغة العربية تتصف بعدم القدرة على مواكبة العصر من أبنائها جعلها تتراخى في مجال التقنية والتطور، الأمر الذي كرّس صورة نمطية عند العديد من الأفراد بعدم جدوى استخدامها بالشكل السليم في مختلف مجالات الحياة وحتى المعرفية منها".

وأشارت منصور إلى ضعف استخدام اللغة العربية بالشكل السليم والصحيح من قِبل أبنائها، إذ يميل العديد منهم إلى استخدام ما يعرف بــ «اللغة العامية»، كما أن أغلب التربويين باتوا يدرسون بالعامية أيضاً، الأمر الذي انعكس على الطلبة ولا سيما الأطفال منهم، حتى أصبحوا لا يستطيعون الحديث والتعبير عن ذاتهم بلغة سليمة.

وأكدت في الوقت ذاته على ضرورة التدريس في مختلف المراحل باللغة العربية الفصيحة وتجنب اللغة العامية «الفضيحة»، كخطوة أولى في الاتجاه الصحيح نحو حماية «العربية» وتكريس استخدامها، على حد وصفها.

أزمة لغوية

وشددت منصور على أنه بالرغم من تميز اللغة العربية، إلا أنها تعيش أزمة لغوية طاحنة هي في الواقع دليل على انتكاسة الأمة وتبعيتها ، وتخلفها عن الركب وتُرجع منصور أسباب الأزمة إلى عوامل كثيرة أهمها: انبهار الجماهير العربية بثقافة الغرب ولغاته وتدهور اهتمامهم باللغة العربية، وعدم اعتزازهم بها.

وتابعت "بالإضافة إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات الخاصة التي تُعلم باللغات الأجنبية، والافتخار بذلك واعتباره نوعاً من الوجاهة الاجتماعية ودليلاً على التقدم الحضاري وهنا تقدم اللغة العربية دليلاً شاهداً على الانتكاسة الثقافية للأمة في الوقت الحاضر وغياب إرادة الإصلاح.

وأشارت إلى "الحقيقة العلمية التي أجمع عليها الباحثون اللغويون وهي أن التعليم بغير اللغة الأم يغلق مفاتيح الفكر الناقد، ويعوّق عملية الابداع والابتكار لدى المتعلمين ، إلا أن المخططين للسياسة التعليمية قد صموا آذانهم عن سماع ذلك، وسمحوا بإنشاء المدارس التي تُعلم باللغات الأجنبية على مستوى التعليم العام، وهو الأمر المُحرم لدى الدول المتقدمة"، بحسب منصور.

ما هو المطلوب

وشددت منصور على أن المطلوب يتحدد بأهمية ربط اللغة العربية بهويتنا وحياتنا العامة، "حيث لا يزال أغلب الطلبة في مختلف المراحل الدراسية غير مقتنعين بجدوى استخدامها ومدى الاستفادة منها في الحياة العملية، الأمر الذي يدعو مختلف المعلمين والتربويين إلى ربط اللغة بالحياة العملية، لخلق نوع من التقبل بجدوى استخدامها لدى أبنائنا".

وبينت أن العديد من الأحكام والفروض الدينية قائمة على فهمنا للّغة العربية، كما هو الحال في النواحي القانونية التي تحدد أحكام القانون بناء على التعبير اللغوي الصحيح للقانون وبالتالي تطبيقه وفقاً لذلك، وغيرها من الشواهد التي تؤكد الحاجة للغة العربية السليمة في مختلف مجالات الحياة العامة، مع الأخذ في الاعتبار تكريس الأمثلة الحديثة في التعليم لتقريب الفهم السليم للغة وعدم عزل الطلبة عن لغتهم الأساسية.

منصور: كل الأنشطة التي تقام احتفاء بالعربية منحصرة بين ثلة محددة من الناس وهم: رجال الدين في منابرهم وحلقاتهم الدراسية؛ والأكاديميون في مختبراتهم وفرضياتهم النظرية، والسياسيون في أناشيد الوطنية، والغائب الأكبر هو المجتمع

وتشعر منصور بالأسف نظراً لأن كل الأنشطة التي تقام احتفاء بالعربية منحصرة بين ثلة محددة من الناس وهم: رجال الدين في منابرهم وحلقاتهم الدراسية؛ والأكاديميون في مختبراتهم وفرضياتهم النظرية، والسياسيون في أناشيد الوطنية؛ لافتةً إلى أنه في كل هذه الحالات كان الغائب الأكبر هو المجتمع الذي لا يجد له مكاناً بين هؤلاء سواء كان الخطاب وعظياً أم بحثياً أم حماسياً.

وختمت منصور حديثها بالقول:" يحق لنا كعرب أن نقف لمساءلة المسار، وأول خطوات التميز أن ننقل النقاش حول العربية من ضيق البحث والوعظ إلى أن يغدو حالة مجتمعية تساهم فيه كل الأطياف الفكرية واللغوية والسياسية، وتُراَفع عن لغة الضاد ليس بمنطق الخطابة العكاظية ولكن بمنطق التأسيس لوطن يتسع للجميع".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …