يستمر بعضنا في العمل سنين في وظيفة ما دون هدف واضح ومحدد، وقد يبدأ بهدف ما ثم يتغير على مدى السنين، ولكن يظل الإنسان متمسكاً بعمله، وهناك مجموعة ثالثة تشعر فعلياً أنها تشبعت من الوظيفة التي تقوم بها، ولكنها لا تدري متى عليها اتخاذ الخطوة بترك العمل، والانتقال إلى وظيفة أخرى، أو تعلم مهارة جديدة، أو حتى إدارة عمل خاص. وهنا عرض لأهم الأمور التي لو حصل عليها الإنسان أو على جزء منها -على حسب حاجة كل إنسان-، عليه وقتها أن يفكر فعلياً بالتنقل لأداء عمل أو نشاط آخر مخالف.
1- لا وجود لأي جديد:
تمر على كل منا في حياته الوظيفية -سيما في البدايات- فترة نشعر فيها بأننا نتعلم، ونستقي معلومات باستمرار، بل ونضيف جديداً إلى العمل بأفكارانا وإبداعنا، ثم تنتهي هذه الفترة وتبدأ مرحلة الاعتياد على العمل، وأخيراً نمر بمرحلة نتشرب العمل إلى درجة تصل أحياناً للملل منه، ولا نتكلم هنا عن الملل الوقتي، ولكن الملل الذي يستمر لفترة طويلة، تصل إلى شهور وسنين، فيجد الإنسان أنه وصل إلى مرحلة لا يقدر فيها على العطاء، كما لا جديد يحصل عليه.
2- الاكتفاء المادي:
بعض الموظفين يكون قد اكتفى من الناحية المادية، والتي يجد نفسه -ربما لسبب نفسي أو اجتماعي- قد ارتبط بدوامة الوظيفة، فهناك من يكون لديه مشروعه الخاص، والذي يدر عليه ربحاً جيداً، ولكنه مع ذلك يظل متمسكاً بالوظيفة، لما تملكه من مميزات أثناء العمل أو حتى بعد التقاعد، وكنتيجة لهذا يغلق على نفسه باب تطوير عمله الخاص بشكل أكبر، أو الإكثار من الأوقات العائلية، أو تعلم مهارات جديدة أخرى.
هناك من يكون لديه مشروعه الخاص، والذي يدر عليه ربحاً جيداً، ولكنه مع ذلك يظل متمسكاً بالوظيفة لما تملكه من مميزات أثناء العمل، أو حتى بعد التقاعد
3- أن تقف الوظيفة عائقاً عن إتقان أي مجال آخر:
بعض الوظائف قد تستغرق ساعات اليوم كله إذا ما أضفنا ساعات الذهاب والعودة، وبالتالي لا يتبقى وقت لتعلم أي علم جديد، أو إضافة أي مهارة جديدة إلى حصيلة خبرات الإنسان، وهذا يكون مشكلة حقاً، خاصة إذا لم يكن للإنسان وظيفة غير التي يعمل بها، أو خبرة في غير المجال الحالي. فإذا انهار سوق العمل في مجال ما، وجد الإنسان نفسه بلا وظيفة ولا مورد رزق! ومن القصص الطريفة التي سمعتها أن طبيباً وبعض أصدقائه كانوا يبحثون عن وظائف جانبية تُدِر لهما دخلاً حتى ينهيا دراسة الطب، فعمل الأول في الصحافة لقدرته على الكتابة، والثاني عمل خطاطاً في أحد الصحف المشهورة، أما بقية زملائهم من الأطباء الذين لم يكن لديهم مهارات أخرى، اضطروا للعمل في التنظيف، وغسل الأواني في المطاعم!
4- الحفاظ على الوظيفة لأسباب اجتماعية بحتة:
ليس الغرض من العمل في الإسلام الوصول لدرجة معينة في السلم الاجتماعي، أو الحصول على لقب ما. ومع ذلك نجد الكثير من المسلمين يتخلون عن دورهم في إعمار الأرض، والانشغال عن العمل الذي يحسنونه ويسهم في الرقي بالأمة، ثم يركنون إلى أي وظيفة حكومية أو خاصة كانت؛ للوصول إلى ترقية ما، أو الحصول على لقب له رنته الاجتماعية! حتى وإن تطلب هذا الأمر العمل في دوامة وظيفية روتينية مزرية في ما بقي لهم من العمر!
ليس الغرض من العمل في الإسلام الوصول لدرجة معينة في السلم الاجتماعي، أو الحصول على لقب ما
الوظيفة كما أنها ستظل حلم الكثيرين، فهي دوامة ومأساة لآخرين، وخير الأمور هي الوسطية والموازنة في شتى مناحي الحياة؛ لئلا ينهض جزء على حساب انهيار آخر، كما يجب الحرص على تحديد الهدف والأولوية في الحياة من حين إلى آخر؛ لئلا يختلط الحابل بالنابل، ويمشي الإنسان في الأرض حيران!