يستغرب كثيرون وقوف بعض "المشايخ" في صف الأنظمة المستبدة التي تقمع الإسلاميين وتزج بهم في السجون، ولإزالة هذه الغرابة ينبغي أن نستحضر أولاً أن هؤلاء "المشايخ" بشر كبقية البشر، يخطئون ويصيبون، ولديهم القدرة على الجمع بين الطاعة والمعصية، ولعل كثيرين من المستغربين لو نظروا في أحوالهم لرأوا من أنفسهم تناقضاً كبيراً يمكّنهم من الجمع بين الصواب والخطأ، وربما الخطيئة، فلعل أحدهم يركع لله ركعتين، ثم يُتبعهما بمعصية، ككذب أو غيبة أو نظر محرَّم.
والأمر الآخر الذي يعيننا على استيعاب هذه الظاهرة؛ هو أن نعلم أن من هؤلاء "المشايخ" المزعومين؛ من هم موظفون أصلاً عند الأجهزة الأمنية التابعة لهذه الأنظمة المستبدة، يتقاضون على فتاويهم المنحرفة رواتبَ مجزية، فهم في الحقيقة دخلاء، لا علاقة لهم بالدعوة الإسلامية ومخرجاتها الحقيقية، وكلّ ما في الأمر أنهم يتقنون الخداع والتمثيل، وأننا نصدّقهم!
وأمر ثالث؛ هو أن بعض المشايخ الموالين للظلمة؛ يلبّس عليهم إبليس مصالح متوهَّمة للدعوة، فيظنون أنهم بتسليمهم إخوانهم إلى الطغاة، ووقوفهم بجانب المستبدين؛ ينصرون الدعوة، ويحققون لها مصالح أعظم من مصلحة إنقاذ إخوانهم من سياط الظلم، وتخليص أخواتهم من هتك الأعراض العزيزة!! ولو تأملت هذه المصالح المدّعاة؛ لألفيتها دائرة بين المصالح الشخصية أو الحزبية، التي هدفها المحافظة على جسد الفرد سالماً من تبعات الاعتقال، والمحافظة على كيان الجماعة واسمها، وكأنها القرآن الذي ينبغي أن يُحفظ إلى يوم القيامة.
بعض المشايخ الموالين للظلمة؛ يلبّس عليهم إبليس مصالح متوهَّمة للدعوة، فيظنون أنهم بتسليمهم إخوانهم إلى الطغاة؛ ينصرون الدعوة، ويحققون لها مصالح أعظم من مصلحة إنقاذ إخوانهم من سياط الظلم، وتخليص أخواتهم من هتك الأعراض
لا أبرئ جماعة إسلامية من التخلي عن جماعة إسلامية أخرى عند تعرضها للظلم، في الوقت الذي يتأكد فيه واجب تعاونها وتناصرها لدفع ظلم يوقعه العدوّ المشترك، وليس غريباً أن تفعل ذلك؛ لأنها ارتضت أن تتعصّب لنفسها، وأن تقيم جداراً صلباً بين بعضها بعضاً، يقف حائلاً منيعاً دون ولوج أي نسمة من نسمات الأخوة والتناصر، فلا تواصل، ولا تعاون، ولا تنسيق.. في الوقت الذي يتواصل فيه أعداء الدعوة الإسلامية، ويوحّدون جهودهم للقضاء علينا جماعة بعد أخرى.
والذي يملأ القلب حسرةً؛ أننا ما زلنا ننتظر المهدي أو خليفةً ما؛ لنتوحّد تحت رايته، ونصبح أمة واحدة، على قلب رجل واحد، وكأن من لوازم وجود هذا الرجل الافتراضي؛ أن نكون متفرقين متباغضين متنازعين، ليأتي المخلّص المتصف بصفات القوة والبأس؛ فيمدّ الأمة بشيء من قوته، مع أن التنازع يستلزم الفشل وذهاب القوة، كما في قوله تعالى: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
ليس أخطر على هذه الأمة؛ من معصية التفرق والتعصب، التي أذهبت معظم ريحنا، وأفقدتنا أكثر قوتنا
وعوداً على "بشرية" المشايخ التي يغفل عنها كثيرون عملياً، فيتعاملون مع "الإسلاميين" على أساس أنهم مصدر العصمة الدائمة، والحكمة التي لا تتخلف، مع أنهم -بتفرّقهم وتعصّبهم- أحد أهم أسباب البلاء الواقع على الأمة، رغم ما يحملون من شرف الانتساب إلى الدعوة الإسلامية المباركة.
إنها البشرية بكل تجلياتها، والتي تعني وقوع الخطأ والمعصية بصغيرها وكبيرها، وليس أخطر على هذه الأمة؛ من معصية التفرق والتعصب، التي أذهبت معظم ريحنا، وأفقدتنا أكثر قوتنا.. ولا نجاة لنا إلا بتوبة خالصة تعيد لنا الجزء الأكبر من هذه القوة، "ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يُرسل السماء عليكم مدراراً، ويزدكم قوةً إلى قوّتكم".