صار اقتراب موعد امتحانات الطلاب -الكبار والصغار على السواء- أزمة مضنية تمر بها بيوتنا، تعلن لها حالة الطوارئ وتتأزم الأعصاب، فيفقد الطلاب قدرتهم على التركيز والتحصيل، مع عدم معرفتهم بأفضل الطرق لتحقيق أفضل النتائج، وهناك بعض الإرشادات العامة التي إذا اتخذها الطالب، وساعدته عليها الأسرة؛ لاستطاعوا عبور تلك الفترة بسلام.
وقبل تلك الإرشادات، يجب أن يستحضر الطالب قاعدتين مهمتين في ذلك المضمار، كل قاعدة منهما كفيلة بأن تحول ثقل المذاكرة والتحصيل لعملية ممتعة، يقبل عليها بحماس ورغبة في تحسين أدائه.
القاعدة الأولى:
-العلم عبادة: وهذا حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"،[رواه البخاري].
يحثنا على استحضار النية في كل عمل يقوم به المسلم، والمذاكرة والتحصيل هي وظيفة الطالب المسلم الذي يقع عليه عبء النهوض بالأمة بعد سنوات معدودة ، والعملية التعليمية ليست عملية تلقين وتحصيل، ثم تفريغ في ورقة الامتحان وتنتهي المسألة عند هذا الحد، إنما هي مهارات تضاف، وقيم ومبادئ وقدرات، وخبرات تثقل وتتراكم عاماً بعد عام؛ ليكون الطالب في محصلتها إنساناً مبدعاً في مجاله، سواء كان إبداعه ذهنياً، أو يدوياً، أو فنياً، وهي في مجملها أدوات صنع الحضارة الإنسانية، والطالب الذي لا هوية له، ولا غاية، ولا نية، يكون كالقشة في مهب الريح، تتقاذفه أهواء الآخرين فيما بعد، وتحصيل العلم عبادة من العبادات المهمة التي أولاها الإسلام عناية واهتماماً خاصاً، فجعله السبيل الأول لمعرفة الله تبارك وتعالى، فيقول سبحانه:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191].
وجعله الله تعالى طريقاً إلى الجنة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)[ رواه مسلم].
وجعله الإسلام كذلك صدقة جارية بعد الممات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ) [رواه مسلم].
كما جعل العلم كذلك سبباً للرفعة، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11].
الطالب الذي لا هوية له، ولا غاية، ولا نية، يكون كالقشة في مهب الريح، تتقاذفه أهواء الآخرين فيما بعد
فحين يستشعر الطالب وهو مقدم على المذاكرة بتلك المعاني الطيبة، وأن كل جهد يبذله لله، ثم لهذه الأمة التي تحتاج لسواعد جيلها الجديد، هو عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى، ترفع من شأنه وتقربه إلى الله زلفى، يقبل عليها بحب ورغبة، ويتحمل في سبيلها أي مشقة قد تنتج عن السهر، أو التلقي أو الاستظهار، بل ويحرص على الفهم، ليس لمجرد الانتهاء من الامتحان، وإنما ليكون لبنة حقيقية في طريق البناء الحضاري، لأمة خارج نطاق التاريخ بإهمالها، وإن أول سبل الخروج من مأزقها هو "العلم".
القاعدة الثانية:
التسويف عدو النجاح: والتسويف هو تأخير العمل عن وقته المحدد له عمداً دون داعٍ يذكر، كأن يكون لديك بعض الدروس التي تحتاج للمراجعة في بداية الأسبوع وتؤجلها لنهايته، أو تؤجلها لنهاية الشهر، أو تؤجلها لما قبل الامتحان بعدة أيام، تقول: (سوف أراجعها)، (سأستطيع تحصيلها)، (سأفعل لا محالة)!
والطالب قد يسوّف عملية التحصيل، أو المراجعة، أو يلغيها تماماً لعدة أسباب، منها أسباب منزلية يتحملها الأبوان، فالإهمال الشديد كالاهتمام الزائد قد يعوق العملية التعليمية، ويدفع الطالب للعناد، فكلما ضغط الأبوان بالمنع من الخروج مثلاً، وإلغاء الإنترنت، وغلق كل وسائل الترفيه المتاحة تماماً، يلجأ الطالب لعملية هروب ذاتي، بتسويف كل أعماله غضباً أو احتجاجاً على تلك المعاملة وذلك التضييق، كذلك إهمال الوالدين للطالب، وعدم المتابعة شبه اليومية، والمشاركة في مشكلات الدراسة، ومحاولة إيجاد حلول سريعة وآنية للمشكلة قبل أن تتراكم، ونفاجأ وقت الامتحان بأن المادة العلمية فيها مشكلات كثيرة، يضيق الوقت عن تحصيلها! وهنا أوجه رسالة للأبوين: أن الوسطية في متابعة الابن ينتج عنها توزان محمود، ونتائج طيبة ، فالمراجعة المستديمة تعطي مؤشرات أولية للنتائج النهائية، وإعطاء مساحة للحرية والترفيه، ووقت للعب، والمشاركة في تلك الاهتمامات الثانوية يجدد طاقة الطالب ويحفزه على التحصيل والمذاكرة.
كلما ضغط الأبوان بالمنع من الخروج مثلاً، وإلغاء الإنترنت، وغلق كل وسائل الترفيه المتاحة تماماً، يلجأ الطالب لعملية هروب ذاتي، بتسويف كل أعماله غضباً أو احتجاجاً على تلك المعاملة وذلك التضييق
فالتسويف يكون على محورين: المحور الأول- هو الأسرة التي يجب أن تتابع أولاً بأول منذ بداية العام في البيت وفي المدرسة.
والمحور الثاني- هو الطالب نفسه الذي يتابع الدروس أولاً بأول كذلك، ولا يراكمها فيثقل عليه المذاكرة، والبدء من جديد، وبالتالي تصعب عليه عملية المراجعة قبل الامتحان، أو تنعدم فرصته فيها.
بعض الإرشادات العامة للتحصيل الجيد:
1 ـ يجب أولاً قراءة الموضوع بشكل عام قراءة جيدة وإجمالية، ثم يقوم الطالب بتقسيم الموضوع لعناوين رئيسة، ثم عناوين فرعية؛ لتفكيكه فيسهل فهمه وتذكره، ثم يوضع سؤال على كل فقرة، ترتبط بالعنوان المختار.
2 ـ الفهم وحده لا يكفي في معظم المواد الدراسية، بل يجب الحفظ والاستظهار، وكثيراً في حياتنا اليومية ما نلتقي بطلبة بدرجة ذكاء عالية جداً، لكنهم يحصلون على درجات أقل من ذويهم الأقل منهم ذكاءً، وذلك بإهمالهم مسألة الحفظ.
ومما يساعد على الحفظ، التعرف على النقاط الرئيسة في الدرس، ووضع خطوط عامة تحتها؛ لتكون ظاهرة كلما مرت بنظر الطالب، ثم فهم القوانين والنظريات والمعادلات، ومن ثم حفظها، ثم وضع الأسئلة على كل فقرة لا تتعدى سطرين، كل ذلك يسهل عملية الحفظ.
3 ـ التسميع، فالقراءة والفهم والحفظ ثم ترك كل هذا بغرض مراجعة ما تم حفظه وتسميعه، وإعادته وتكراره أكثر من مرة يعرضه للنسيان، والتسميع يظهر مواطن الضعف، وما لم يتم حفظه أو فهمه، فيعود إليه الطالب مرة أخرى، والتسميع كذلك يثبت المعلومة المحفوظة، وهو علاج قوي لمشكلة "السرحان" وعدم الانتباه، وهناك تسميع شفوي مع أحد الزملاء، أو مع أحد الإخوة أو الأبوين، والتسميع التحريري، وذلك بكتابة ما تم حفظه ثم مراجعته من الكتاب، أو مع معلم المادة.
4 ـ المراجعة والمذاكرة إذا تمت في وقتها، وبالكيفية التي ذكرناها، سوف تيسِّر عملية المراجعة بشكل كبير جداً، ففي المراجعة سوف يقوم الطالب بقراءة العناوين الرئيسة التي كتبها الطالب بنفسه في مذاكرته الأولى، ثم النقطة الأهم والأخيرة، وهي إجابة الأسئلة المكتوبة على كل فقرة، والتي وضعها الطالب بنفسه مع من يساعده على عملية الاستذكار.
- بعض معوقات التركيز والتحصيل:
هناك بعض الأمور التي يمكن أن تعوق العملية، والتي يجب تجنبها حتى نصل للنتائج المرجوة:
1 ـ المعوق الأول: هو التراكم، فتراكم الدروس يكون مثبطاً كبيراً للاستمرار.
2 ـ وجود ملهيات كثيرة حول الطالب، مثل التليفزيون، أو الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، أو أي ملهيات أخرى.
3 ـ الخوف من بعض المواد التي لا تتلاءم مع ميول الطالب ومواهبه الفطرية، فيهملها ومن ثم يصعب عليه مذاكرتها فيما بعد.
4 ـ المشكلات الأسرية التي يعاني منها الأبناء في المقام الأول.
وتلك المعوقات يجب مواجهتها من البيت، أو يتعاون في حلها كلٌ من الطالب والأسرة معاً، مستعينين في ذلك بالله عز وجل، نسأل الله التوفيق والنجاح لكل أبنائنا في الامتحانات المقبلة.