تيارات السلفية المعاصرة كثيرة ومتعددة، وإطلاق حكم واحد عليها على الدوام فيه ظلم وإجحاف، مع أن هناك تداخلاً كبيراً بين السلفيات بشتى أنواعها، تقليدية كانت أم علمية، أم إصلاحية، أم جهادية، وبين كل واحدة وأخرى "سلفيات" تقترب من إحداها وتبتعد عن أخرى.
ومن التيارات السلفية التي نالت حظاً وافراً من الرعاية الأمنية في الدول العربية، ما يُعرف بـ"السلفية العلمية"، وهي تلك السلفية التي تنادي بوجوب الإقرار ببيعة الحكام العرب، والسمع والطاعة لهم في المنشط والمكره، في الوقت الذي تنادي فيه بـ"ترك السياسة!"، والالتزام بـ"النصيحة السرية" للسلاطين بعيداً عما تسميه "التهييج السياسي"!!
هذه "السلفية" تُستغل أيّما استغلال من قبل أجهزة الاستخبارات العربية لتطويع الشعوب وسوقها لساحات العبودية والتسليم، تحت مسميات "الالتزام بالحكم الشرعي" من خلال نصوص لوَتْ هذه "السلفية" أعناقها، وأنزلتها على مناطات غير صالحة.
هذه "السلفية" تُستغل أيّما استغلال من قبل أجهزة الاستخبارات العربية لتطويع الشعوب وسوقها لساحات العبودية والتسليم، تحت مسميات "الالتزام بالحكم الشرعي" من خلال نصوص لوَتْ هذه "السلفية" أعناقها، وأنزلتها على مناطات غير صالحة
ولا تتردد هذه "السلفية" المزعومة، في تبليغ الأجهزة الأمنية عن خصومها السياسيين، بل يتساهل كثير من أفرادها في تشويه صور المخالفين لهم من خلال تقديم تقارير "أمنية" تهويلية، يعوزها الدليل، وتفتقر إلى منطق سديد، وواقع سليم، ليقبضوا عليها دراهم معدودة، ربما تشتعل ناراً في بطونهم يوم القيامة.
ولعل قُرب هذه "السلفية" من الظلمة والمستبدين؛ أكسبها شيئاً من سماتهم، وحرفها عن أصول العلم الشرعي؛ فأخذت تمارس ضغطاً "قميئاً" على النصوص الشرعية؛ لاستخراج شيء يعينها على تسويغ ظلم الحكام واستبدادهم، وحينما يكون هذا هو المطلوب؛ فلا تأبه حينئذ أن تبتدع من الأقوال ما لو سمع بأحدها واحدٌ من السلف لربما تفل في وجه صاحبه، وحكم عليه بالضلال المبين.
وربما يكون اختلاط هذه "السلفية" بالفجرة والعصاة والطغاة؛ أحد عوامل ذهابها بعيداً عن حوض الأخلاق ومنبع القيم، حيث اشتُهر كثير من قادتها بمقارفة "السرقات العلمية" العديدة، التي نبّه عليها كثير من الباحثين، من غير أن يخالط هؤلاء السراقين شيءٌ من حياءٍ لا من الخلق ولا من خالقهم، وامتاز آخرون من "شيوخهم" بالكذب والافتراء والتدليس على الخصوم، فيما تخصص فريقٌ منهم بانتقاء أقذع الكلمات وأحطها وأبشعها؛ لتوجيهها كالسهام المسمومة إلى صدور كل من يخالفهم أو يعارض بسلميةٍ "أولياء أمورهم".
يقف فريقٌ من هؤلاء في مصر مع المشير الانقلابي القاتل عبدالفتاح السيسي، ويُصرحون بأنهم "يتعبّدون" الله تعالى باختياره رئيساً عليهم، مع أن تصريحات القادة "الإسرائيليين" التي تثني على السيسي تقرع أسماعهم ليل نهار، في الوقت الذي لم تُصب فيه الأمة بعدُ بداء "الزهايمر" حتى تنسى ما فعل هذا القاتل المأفون بأبنائها في "رابعة" و"النهضة" وغيرها من الوقائع التي سالت فيها دماؤهم، وارتقت أرواحهم إلى السماء.
وفي الترويج لهذا القاتل والدفاع عنه؛ لا بأس أن تتخلى هذه "السلفية" عن تشديدها في ضرورة الاقتصار على الأحاديث الصحيحة حين الاستدلال على الأحكام، فتجهد في حشد ما تيسر من الأحاديث الضعيفة - والحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الاستبداد - بل يصل الأمر بأحد قادتها إلى أن يخترع حديثاً من عنده، وينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً؛ ليزين به فتاوى الزيغ والضلال.
ما أود التنبيه إليه في هذه المقالة؛ هو أن يكفّ الكتاب والباحثون عن وصف هذه "السلفية" بـ"العلمية"، فأيّ علم هذا الذي يوصل صاحبه إلى هذا النهج "الخسيس"، ويوقع أهله إلى هذا الدرك الآسن العميق؟!
ليس علماً ذاك الذي يؤدي بصاحبه إلى موالاة الطغاة والمستبدين في حربهم على الدعاة والموحّدين..
ليس علماً ذاك الذي يؤدي بصاحبه إلى موالاة الطغاة والمستبدين في حربهم على الدعاة والموحّدين
ليس علماً ذاك الذي يسوّغ لصاحبه أن يستحل السرقة والكذب والتدليس والبهتان، والفجور في الخصومة، والتقرب إلى الله بفُحش الكلام، وبذيء القول..
ليس علماً ذاك الذي يدفع صاحبه إلى الافتراء على الشريعة، والتوقيع عن رب العالمين بقلم إبليس - والعياذ بالله -، وخداع الأمة بتقديم عبارات شيطانية موهومة؛ على أنها الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وحملَه السلف الصالح.
إنْ كان هذا هو العلم؛ فمرحباً بالجهل!!
وإنْ كان يصحّ أن توصَف هذه "السلفية" بـ"العلمية"؛ فلا أنسب من أن يوصف الشيطان بشيخ الإسلام!!