تسعة أعوام مرت على استشهاد القيادي في حركة حماس وزير الداخلية والأمن الوطني النائب سعيد صيام في الخامس عشر من كانون ثاني/يناير 2009، خلال العدوان (الإسرائيلي) على غزة "حرب الفرقان"، مضت فيها الأيام متسارعة لكن بقيت ذكرى شخصية الوزير صيام من أبرز الشخصيات التي عرفها المجتمع الفلسطيني.
"أبو مصعب" استشهد تاركاً وراءه أبناء وأحفاداً يوفون بمسيرته في الذكرى التاسعة لاستشهاده ويسيرون على خطاه وتوجيهاته التي رسمها لأبناء شعبه.
ولد الشهيد صيام، في الثاني والعشرين من تموز (يوليو) 1959، وتعود أصوله إلى قرية "الجورة" قرب مدينة عسقلان المحتلة عام 1948م التي هجرت أسرته منها واستقرت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة.
واصل "أبو مصعب" مسيرته التعليمية وتخرج من دار المعلمين برام الله مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، حصل خلالها على دبلوم تدريس العلوم والرياضيات، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة القدس المفتوحة بغزة وحصل على بكالوريوس في التربية الإسلامية عمل بعدها مدرساً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بغزة حتى نهاية 2003.
وما زالت كلماته الأخيرة قبيل لحظات استشهاده تسطع شاهدة على سيرة عطرة وهو يوصينا "تقوى الله هي مفتاح النصر وسبيلنا في مواجهة العدوان. ولن أختبئ في الجحور، لأنني مقاوم قبل كل شيء وسأحمي ظهر المقاومة .. ولن أترك أهل غزة لوحدهم، فما سيعانونه سأعانيه معهم".
كان نعم الزوج والأب المحب الحنون"، بهذه الكلمات القصيرة تصف أم مصعب زوجها الشهيد، موضحةً أنه رغم الهموم والأعباء التي حملها طيلة مسيرته إلا أنه لم ينشغل عن أهله وأبنائه وبيته.
وتقول لبصائر: "صحيح أننا تأثرنا باستشهاده لكن كانت هذه أمنيته وقدر الله وما شاء فعل والحمد لله رب العالمين الذي شرفنا باستشهاده بعد أن تعلمنا منه الصبر والثبات"، لافتةً إلى أن الشهيد الوزير كان يشعر بالهم والحزن الدائم بسبب الانتهاكات الصهيونية المستمرة على شعبنا الفلسطيني.
من ناحيته، أكد "مصعب" نجل الشهيد أن ثقافة الشهادة سيطرت عليه بشكل غريب قبل استشهاده بأيام، مضيفاً: "كان صامتاً في شخصيته قليل الانفعال ويحرص على قراءة القرآن وصلاة الفجر وقيام الليل وكان حريصاً ورحيماً وحنوناً على إخوانه وجيرانه".
ويقول مصعب: "والدي كان يعطينا حقنا أنا وشقيقي الذي استشهد معه (محمد) وأخواتي الأربعة، ولم يكن يقصر معنا بتاتاً فيؤدي واجباته المنزلية على الرغم من ضغط الوقت الذي كان يعيش فيه".
وتابع: "كان والدي صاحب شخصية هادئة ولا يتكلم كثيراً وكان رحيماً، وكان يهتم كثيراً بإيقاظنا على صلاة الفجر كل يوم، فكان كلما نادي علينا إلى الصلاة كنا نؤجل ونقول له اتركنا دقيقتين وهكذا فكان عندما يعود من صلاة الفجر ويجدنا نائمين يقوم ببل يديه ويبدأ في وضع قطرات الماء على جباهنا، فكان رحمه الله يحرص على تربيتنا تربية إسلامية".
واستطرد مصعب: "قبل استشهاد والدي بـعشرة أيام طلب من والدتي جواز السفر الخاص به، فقالت له والدتي: ما بك يا أبا مصعب وهل تريد أن تسافر، فرد عليها مبتسماً: لا يا أم مصعب وإنما أريد أن يكون هذا الجواز معي حتى تتعرفوا على جثماني عند استشهادي، وكأنه كان يعرف أنه سيرحل إلى العلا".
القائد المربي
رئيس المكتب الإعلامي الحكومي والناطق باسم الداخلية سابقاً المهندس إيهاب الغصين - والذي رافق مسيرة الشهيد القيادي "أبو مصعب" في وزارة الداخلية – قال: "في كل عام من مثل هذا اليوم نتذكر الأب العزيز سعيد صيام"، واصفاً الشهيد بالقائد المربي والداعية والوزير الذي كان يمتلك كثير من القدرات التي يفتقدها كثير من المسئولين.
وأضاف الغصين في حديث لبصائر: "كان رقيق القلب لكنه صارم القرار، صابر رغم المهمات الكبيرة التي مرت في حياته"، لافتاً إلى دوره الريادي والكبير في إنجاح والنهوض بوزارة الداخلية رغم الظروف الصعبة التي مرت بها.
ورأى أن صفات "أبو مصعب" لا تجتمع في أي شخص عادي، مبيناً أن الداخلية احتاجت لأمثاله في تلك الفترة العصيبة.
وحول ما اكتسبه من الشيخ القيادي الشهيد "أبو مصعب" أشار الغصين إلى أنه استفاد من كيفية إدارة الأمور بحكمة، وكيفية الحزم والشدة في ذات الوقت مع الليونة والسهولة.
وقال: "الشهيد صيام كان يحظى باحترام كبير ومنقطع النظير بين الجميع، وعندما نتحدث عن الشهيد النائب سعيد صيام نجد شخصية تمتاز بجذب انتباه الآخرين واحترامهم".
وكانت لحظة استشهاد وزير الداخلية الشهيد القائد سعيد صيام لحظة فارقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، حيث اغتالته طائرات الاحتلال (الإسرائيلي) في اليوم العشرين من العدوان على غزة "معركة الفرقان" وتحديدا يوم الخامس عشر من يناير عام 2009م كما واستشهد معه ابنه وشقيقه في قصف لطائرات الاحتلال لمنزل شقيقه.
وهكذا مضى الشهيد؛ قائداً ومعلماً ومربياً، وستبقى الحركة الإسلامية بغزة بيئة زاخرة بعشرات القادة الذين يكملون مسيرة الشهيد سعيد صيام.