المشهد الإيراني والقوة الأمريكية

الرئيسية » بأقلامكم » المشهد الإيراني والقوة الأمريكية
iran protest

تشهد الساحة الإيرانية مظاهرات عاتية خرجت من كل صوب وحدب وشغلت الرأي العام العالمي وتباينت الرؤى هل تستطيع هذه المظاهرات ما لم تحققه مظاهرات 2009م وتغيير النظام في هذا البلد الراديكالي؟

وهل تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية أن تحقق ما حققته في عام 1953م حينما استطاعت أن تطيح بإدارة مصدق؟

وهل تستطيع حركة خلق أن تستفيد من الأحداث الجارية؟

المتابع للمشهد الإيراني منذ اندلاع ثورة الإيرانية عام 1979م والتغيير الذي حدث على الدولة الإيرانية من تغيير النظام الملكي المحمي من أمريكا واستبداله بجمهورية إسلامية في ظل المرجع الديني آية الله روح الله الخميني يدرك بأن مثل هذه الدول بشكلها الحالي لا يحدث فيها تغيير للأنظمة الحاكمة بسلاسة، خاصة التي تمتلك جيشاً موالياً للسلطة وحرساً من عدة ألاف يحمي النظام نفسه.

المظاهرات التي اندلعت في إيران خرجت عشوائية ودون أي قيادة، وعلى اعتبار المعارضة في الخارج هي التي تقود فالعالم الإسلامي لا يتأثر بالقيادة الخارجية لأنها تأثيرها يكون محدوداً في النفوس والشواهد على ذلك كثيرة، فالمعارضة التي لا تتحرك وسط الناس وتعيش ما يعيشونه لن تستطيع التغيير أبدا.

إن معدلات القوة تحسم الأمر لصالح النظام الإيراني بقوته التي يمتلكها إلا أن يتخلى أحد جوانب القوة وينضم للقوى المتظاهرة وقتها سيتبدل الحال وتشهد البلاد التغيير الحتمي أو تحدث خيانة داخلية.

الملفت للنظر هو النظرة الأمريكية بنظامها الحالي ليس فقط للنظام الإيراني بل لكل الدول الإسلامية القوية، فالإدارة الأمريكية تريد أن يدخل الجميع بيت الطاعة والولاء وتستعيد القوة الأمريكية سيطرتها على العالم وهذا ما نراه من تصريحات ترمب المشجعة على تظاهرات إيران وتهديداته لباكستان وصدامه مع تركيا، وتبرئه من روسيا.

لكن هل تستطيع الإدارة الأمريكية عمل انقلاب، كما فعلتها في الخمسينات؟ لا أظن ذلك فالإدارة الحالية لا تملك المقومات التي امتلكتها في الخمسينات، وذلك لأن الإدارة الأمريكية نفسها منقسمة وغير متوافقة فمعظم هذه الإدارة غير راض عن أداء وتصرفات الرئيس ترمب.

فالصدمات التي خلقها ترمب مع هذا الجهاز حول أفراده من رجال يعملون بعقيدة إلى موظفين يؤدون واجب وظيفتهم فقط وشتان بين من يتحرك بروح تملؤها العقيدة وبين موظف يؤدي وظيفته فحسب، ولذا فالإدارة الأمريكية ما لم تستميل أحداً ذو نفوذ وقوة من الجيش الإيراني أو الحرس الثوري لن يتحقق مرادها من تغيير النظام أو الضغط عليه.

أيضا إسرائيل لن تستطيع فعل شيء مع هذا النظام خاصة في أنظمتها النووية لاختلاف عقيدة الشعب والحكومة الإيرانية عن العقيدة العراقية التي استهانت وفرطت في مفاعلها لتضربه إسرائيل بكل سهولة وهو ما زال على أرضه، هذا غير أن ما تقوم به إيران من وطنية الصناعة التي تعطي العزة لكل فرد فيها لأن يحافظ على مكونات القوة في بلده.

كانت إيران باستطاعتها أن تكون دولة قوية ذات تأثير كبير سواء في الشرق الأوسط أو غيرها لكنها وقعت في خطأ المذهبية حيث اندفعت بكل قوتها وراء مذهبيتها الشيعية فأججت الصراعات في العديد من الدول ودخلت بجيوشها وحرسها مما شتت جهدها وأثقل كاهلها بالديون في سبيل المذهب الشيعي، وهو ما فتح العديد من الجبهات عليها سواء من الخارج أو من الداخل واثر على اقتصادها بالسلب مما أدى إلى ضجر الشعب بضيق العيش فيها وشعر أن الأنظمة المتعاقبة لا تعمل للشعب ورخائه بقدر عملها على التوسع النفوذي للمذهب الشيعي، مما أعطى الفرصة لحركة خلق أن تتبع عورات النظام لكنها ليست لديها القدرة على إحداث التغيير لضعف إمكاناتها وقلة حشدها وتأثيرها على العقل الإيراني.

ومن ثم ما يحدث في إيران هو جرس إنذار للنظام الإيراني الذي سيعمل على إعادة التفكير في حركته الخارجية وهذا سيكون مكسب لأمريكا وحلفائها فإن لم يستطيعوا تغيير النظام الإيراني فقد استطاعوا أن يوقفوا حركته الخارجية بعض الوقت، بالإضافة إلى ذلك فسيدفع النظام الإيراني للتفكير في الشأن الداخلي خاصة أن روحاني انتخبه الشعب للفترة الثانية تأكيدا على دوره في الإصلاح ولهذا سيتجه لهذا الجانب.

سيعزز انتهاء المظاهرات قوة النظام الإيراني بجيشه وحرسه الثوري مما سيلقى الرعب في جيرانها الذين سيندفعون بقوة للجانب الأمريكي والارتماء في أحضانه أكثر لحمايتها سواء بشراء الأسلحة أو التنازل لترمب عن المزيد من المميزات التي تجعله راضٍ عن الأنظمة الحاكمة فيها.

كثير من الشعوب العربية والإسلامية رغم كرهها للنظام الشيعي لما يقوم به من أفعال ضد المسلمين ومعاونته للأنظمة الفاشية مثل الأسد وحزب الله إلا أنها لا تتمنى سقوط الدولة الإيرانية الآن في مواجهة الإدارة الأمريكية وحلفائها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …