كيف تحول غيرتك من نجاح الآخرين إلى دافع للتحدي والمنافسة الشريفة!

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » كيف تحول غيرتك من نجاح الآخرين إلى دافع للتحدي والمنافسة الشريفة!
o-CHILDHOOD-FRIENDS-facebook

ذهب "يوسف" لقضاء نزهة برفقة عائلته، وكان يوماً جميلاً جداً، حتى تصادف بصديقه "محمد" الذي درس معه في نفس الكُلية، وكان من طلاب دفعته، وأخذا يتسامران حول حياتهما اليومية، وإنجازاتهم طيلة السنوات التي افترقا فيها عن بعضهما بعد تخرجهما، وأخبر محمد صديقه يوسف أنه حصل على وظيفةٍ ثابتة في إحدى الشركات الكبرى فور تخرجه؛ كونه تلقى تدريباً مكثفاً أثناء دراسته الجامعية، وكان يستثمر فترة دراسته بكسب الخبرة العملية في مجال تخصصه، حتى أنه تزوج وأنجب طفلين واستطاع شراء بيت ملكاً له في منطقة راقية، ويسعى لعمل مشروعٍ خاص به.

أبدى يوسف سعادته الغامرة بإنجازات صديقه، وتمنى له التوفيق، وودعا بعضهما على أمل اللقاء مرةً أخرى، لكن ما إن غادر "محمد" المكان حتى زال شعور السعادة، وانتاب "يوسف" شعور بالإحباط والحقد والغيرة من صديقه، كيف لا وهو الذي كان الأول على دفعته، لكنه لم يحصل على وظيفة رغم تفوقه، ولم يتزوج حتى الآن؛ كونه لا يملك تكاليف الزواج، ووالده رجل فقير!

فما الذي يدفع البعض للغيرة من نجاح الآخرين؟ وهل #الغيرة من نجاح الآخرين أمر فطري أم أنها مرض وجب علاجه؟ وهل يمكن أن تتحول الغيرة إلى دافع للنجاح والإنجاز؟ وكيف يمكن علاج هذه المشكلة؟

الغيرة من دوافع عمارة الأرض

من ناحيته، قال د.درداح الشاعر -الأخصائي الاجتماعي- لـ"بصائر": "إن الإنسان كتلة من المشاعر، فهو يحب ويكره، والغيرة في نظري سلوك إيجابي، إذا دفعت الإنسان للتحدِّي والتحصيل والمنافسة الشريفة، وهي من الدوافع العظام لعمارة الأرض، والله عز وجل يقول: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}[المطففين:26]، وسلبية حينما تدفع الإنسان إلى تلفيق التهم والطعن بالسمعة والتشكيك؛ من أجل إفشال الشخص وإظهاره بصورة الذميم".

د. درداح الشاعر: الغيرة فطرية وتلقائية ما دامت تحت الرقابة والتحجيم وفي حدود المعقول، وهي موجودة منذ صغرنا، وتظل موجودةً في أعماقنا، وتكوين شخصياتنا حتى موتنا

وأكد الشاعر على: "أن الغيرة فطرية وتلقائية ما دامت تحت الرقابة والتحجيم وفي حدود المعقول، وهي موجودة منذ صغرنا، وتظل موجودةً في أعماقنا، وتكوين شخصياتنا حتى موتنا" –قائلاً-: الطفل الصغير يغار من أي أحدٍ حصل على اهتمام وانتباه والدته ولو للحظات، أو شخص مس لعبته، أو أراد اللعب بها، فإحساسه بالتملك للذين يحبهم أو أشيائه صنع حاجزًا من الغيرة بينه وبين تشاركه، أو تسامحه مع مبدأ التشارك نفسه".

أسباب الغيرة

وأردف قائلاً: "إن الشعور بالغيرة من إنجازات الآخرين قد يكون له عدة أسباب، أبرزها: قلة الثقة بالنفس، وكره الشخص الغيور للشخص الناجح وعدم قبوله أو محبته، أو ربما لشعور الغيور بأن الشخص الآخر لا يستحق النجاح، والسبب الآخر هو شعور الشخص الغيور بأن كل مجهوداته التي يبذلها غير فعّالة، عندما يجد نفسه في نفس المكان رغم تساوي أقرانه بمستوى الدراسة، لكنهم يرتقون وينجحون وهو لا يجد شيئاً".

وأكّد الشاعر على: "أن شعور الإنسان بالغيرة تجاه الأشخاص الناجحين والمُتميّزين هو تعبير عن النقص والعجز والاستسلام وعدم الثقة في النفس  ، الناتجة عن عدم رضا هذا الشخص عن نفسه، وعن ذاته المُتخاذلة عن تحقيق النجاح الذي يتمنّاه".

خطورة تحول مشاعر الغيرة إلى أفعال

وحذّر الشاعر من: "خطورة أن تتخطّى مشاعر الغيرة إلى دائرة الأفعال، وذلك بمحاولة عرقلة الآخرين من الناجحين أو الانتقام منهم بإطلاق الشائعات الكاذبة حولهم، أو مُحاولة النيل من مجهوداتهم والتقليل منهم في كل مناسبة، أو الإيقاع بينهم وبين الآخرين ممن تربطهم بهم علاقات طيبة بالمُؤامرات والدسائس –مُشدّداً- على أن هذه السلوكيات تعبّر عن اضطراب الشخصيّة التشاؤميّة التي تتخذ من الانتقام من الآخرين وسيلة كي تجنب نفسها استشعار الضعف أو التخاذل".

كيفية التغلب على الغيرة

وحول كيفية التغلب على الغيرة من نجاح الآخرين، أكد الشاعر على: "ضرورة أن يُعزز الشخص ثقته في نفسه، وأن يجتهد ويفعل ما في وسعه لكي ينجح -مضيفاً- لابد وأن تقوي علاقتك بالله؛ لأن هذا سيمنعك من الاعتقاد بأن هناك شخصاً أُعطي ما لا يستحق، وإذا فعلت ذلك فلن تشعر أبداً بهذا النوع من الغيرة"، على حد وصفه.

د. الشاعر: لابد أن يعزز الشخص ثقته في نفسه، وأن يجتهد ويفعل ما في وسعه لكي ينجح كما لابد وأن يقوي علاقته بالله؛ لأن هذا سيمنعه من الاعتقاد بأن هناك شخصاً أُعطي ما لا يستحق

وقال الشاعر: "إن من الضروري أن يقوم الفرد الذي يغار من شخص -يشعر أنه أفضل منه- بجعل هذه الغيرة وسيلة لدفعه للتقدم للأمام، وليس وسيلة لإحباطه، فلكل إنسان أسلوبه الخاص الذي يتميز به عن الآخرين –لافتاً- إلى أن الغيرة إذا ما تم توظيفها بصورة صحيحة ستؤدي إلى توليد أفكار جديدة وإبداعية، من شأنها أن تساعد الشخص على تطوير نفسه وإخراجه في صورة أفضل".

ووجه الشاعر رسالة للشباب قائلاً: "اجعل دائمًا في قلبك يقينًا لا يتزعزع بعدالة الله في تقسيم الأرزاق، ابذل دائمًا ما في وسعك، ولا تتخاذل أو تتكاسل عن القيام بدورك كاملًا، حتى ترضى عن نفسك وعما بذلت، وركز على طريقك ونجاحك وأهدافك وتحويل الغيرة إلى نجاح، وجِدْ لنفسك ما تَبْرَعُ فيه وتتقنه ويميزك عن الآخرين، ولا تزاحمهم في مجالاتهم وأحلامهم فينجحوا وتفشل! وإنما جد طريقك الخاص وهدفك وحلمك".

الغيرة سيف ذو حدين

زهير ملاخة: الغيرة ليست سلوكاً خاطئاً مطلقاً، لكن الخطأ الحقيقي أن نساعد على نجاح الغيرة المجردة من السعي، ونهضم حق من كافح من أجل النجاح

ومن جهته، قال زهير ملاخة -الأخصائي النفسي ومدرب التنمية البشرية- لـ"بصائر": "إن الغيرة هي من الطباع أو الصفات التي لها حدان: إيجابي وسلبي، وبالتالي إذا كانت الغيرة دافعاً لمزيد من شحن الذات نحو العمل والاجتهاد والتميز والتحسين من الذات فهذا أمر حسن".

وتابع: "أما إذا كانت الغيرة تحمل مشاعر وسلوكيات سلبية، وفيها تمنٍ لزوال الخير للآخر، أو تدفع لإفشال الآخر، وتكون من دافع نقص القدرات، أو لوجود صفات سيئة عند الشخص الغيور فهذه غيرة سلبية".

وقال: "إن الغيرة ليست سلوكاً خاطئاً مطلقاً، لكن الخطأ الحقيقي أن نساعد على نجاح الغيرة المجردة من السعي، ونهضم حق من كافح من أجل النجاح".

الغيرة تدفع للتقليل من نجاح الآخرين

وأشار ملاخة إلى: "أن البعض يميل للأنانية وحب الذات، ولديه بعض صفات التكبر والتعالي والسيطرة، وإذا ما وجد نجاحاً لشخصٍ آخر انتابته مشاعر الغيرة وعدم الارتياح، وربما تدفعه الغيرة للتقليل من شأن نجاح الآخر أو إظهار عيوبه أو تجنب مشاركته نجاحه"، على حد تعبيره.

وذكر: "أن البعض يشعر بالغيرة ليس كرهاً، وإنما رغبةً وتمنياً بأن يكون مثله، ويكون ذلك دافعاً لذاته بمزيدٍ من العمل والارتقاء بالنفس".

وأكّد ملاخة على: "ضرورة أن يُشكل كل شخص مشاعره بالشكل الذي يُشعره بالسعادة -مضيفاً- يجب أن نتوافق مع أنفسنا والآخرين، ونتجرد من أي تفكير أو مشاعر سلبية قد تنتابنا نتيجة نجاح الآخرين   –منوهاً- إلى أن تمنّي الخير للآخر والسعادة لنجاحه أمر ينعكس على ذواتنا، ويُشعرنا بقيمتنا وحسن تفاعلنا مع الآخر، ويجعل من ذلك دافعاً للارتقاء والاجتهاد".

وأردف: "بالتالي إذا فكرنا بهذه الطريقة حتماً سنشعر بالسعادة والرضا والارتياح، بدلاً من النكد وإشغال العقل والروح والقلب بتمني زوال النعمة من الغير".

ملاخة: التأثر بالآخر أمر فطري، فالإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر، والتنافس المحمود أمر مجبول عليه كل إنسان

ولفت ملاخة إلى: "أن التأثر بالآخر أمر فطري، فالإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر، والتنافس المحمود أمر مجبول عليه كل إنسان، حتى أن كل نفس فيها الخير والسوء، فما علينا إلا التفكير الحسن، وتكوين المعتقدات الإيجابية والمشاعر الحسنة التي تحفزنا وتعطينا طاقة إيجابية، وتحسن من علاقتنا بالغير، وتدفعنا لمزيد من السلوكيات الإيجابية وبهذا نكون أكثر قبولاً وارتياحاً ونتمتع بصحة نفسية نشعر من خلالها بالسعادة".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …