على مر العصور، كانت المدينة المقدسة والمسجد الأقصى محل أطماع الغزاة، وفي العصر الحالي، يمعن الاحتلال الصهيوني في انتهاك قدسيتها، وتشريد أهلها، ومع ذلك لا توجد تحركات كافية لنصرتها، على مختلف الصعد.
وممن يجب عليهم نصرة القدس، علماء المسلمين، الذين صمت كثير منهم في هذه الآونة، ولم يتفوهوا بكلمة واحدة تعليقاً على القرار الأمريكي بالاعتراف بها عاصمة لكيان الاحتلال، وبالطبع يعود السبب في هذا الصمت إلى الخوف من الحكام.
وهنا نتساءل عن دور علماء الدين المسلمين في نصرة القدس، وتحديداً في هذا الوقت.
الأقصى آية!
قال رئيس دائرة الإفتاء في رابطة علماء فلسطين الدكتور ماهر الحولي: "إن المدينة المقدّسة والمسجد الأقصى يحظيان بمكانة عظيمة عند المسلمين، وتظهر هذه المكانة بأن المسجد الأقصى هو آية من آيات الله، استفتح بها في سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}".
وأضاف في حديث "لبصائر": "إن القدس والأقصى هما جزء من عقيدة المسلمين، لا يجوز التقاعس عن نصرتها، لذا لا بد لعلماء المسلمين في فلسطين وجميع أنحاء العالم أن يلعبوا دوراً مهماً في بيان هذه الحقيقة، والدفاع عنهما بكل ما أوتوا من قوة".
وتابع: "على علماء الدين المسلمين أن يأخذوا دورهم الشرعي والأدبي والأخلاقي للدفاع عن القدس، وأن يجعلوا جهودهم في هذا الإطار مناسبة للمكانة العظيمة التي تحظى بها القدس".
وأوضح: "لو نظرنا لواقع العلماء، لوجدنا جهودًا مبذولة، ولكنها بحاجة إلى سعي أكبر وتفاعل أكثر، خاصة أن دور العلماء يجب ألّا يتوقف عند رد الفعل حينما يتعرض الأقصى لانتهاك أو اعتداء ما، بل ينبغي أن تكون النصرة مستمرة".
وأكّد أن: "قضية القدس لا بد أن تكون حاضرة في فكر العلماء ووجدانهم وواقع حياتهم، والجهد المبذول مكثّف ودائم ما دام الأقصى تحت الاحتلال، وإذا كانت الكعبة رمز الإسلام، فإن الأقصى يمثّل سيادة الإسلام ".
واجب شرعي
وعن الوسائل المتاحة أمام علماء المسلمين لنصرة القدس والمسجد الأقصى، ذكر الدكتور زكريا الزميلي -نائب عميد كلية أصول الدين للدراسات العليا والبحث العلمي بالجامعة الإسلامية بغزة-: "أن هناك وسائل عدة، منها تحشيد الجماهير الإسلامية، وتحريض الشباب المسلم للدفاع عن المسجد الأقصى، وتوجيه النصح والإرشاد للحكام، وحثّهم على نصرة المدينة المقدسة".
وشدّد الزميلي "لبصائر" على: "أن دور علماء المسلمين يجب ألّا يقتصر على الناحية النظرية، بل يجب أن يمتد ليشمل وسائل واقعية، منها النزول إلى الشوارع وتحريك الجماهير، وحتى المشاركة والإعداد والتجهيز للدفاع عن القدس".
وقال: "على علماء المسلمين ألا يدّخروا وسيلة من الوسائل المتاحة لهم لتحرير الأقصى والدفاع عنه، وذلك على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ناهيك عن إثارة هذا الأمر في المحافل الدولية، واستثمار المنظمات الدولية العالمية، والتواصل مع رؤساء المنظمات الإسلامية؛ للحديث عن القدس ودعمها".
وأضاف: "نصرة القدس واجب شرعي يصل إلى درجة الوجوب، وهو فرض على كل من يستطيع الدفاع عنه، ووسائل الدفاع متعددة ومتنوعة".
وتابع الزميلي: "من الأمور الخطيرة، تخاذل علماء المسلمين عن نصرة القدس؛ لأن نصرة الإنسان المسلم والمقدسات الإسلامية واجب شرعي، والرسول نبّه إلى ذلك في قوله: "مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ". [رواه أبو داود وغيره]
ووصف صمت علماء المسلمين عن نصرة القدس، بأنه "خذلان، وسبب لهزيمة المدينة والمسلمين، والأخطر أن الصمت يغري العدو لانتهاك مقدسات المسلمين ".
ومن جهته أكد الحولي: "أن العلماء يجب أن يجهروا بكلمة الحق بأي حال من الأحوال، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) [رواه الترمذي والحاكم].
الحولي: يجب على علماء المسلمين ترتيب الأولويات ليتصدر الحديث عن المسجد الأقصى سلم الأولويات، فهو يتساوى مع أعراض وحرمات المسلمين؛ لأنه جزء من العقيدة
ونبه إلى: "أنه يجب على علماء المسلمين ترتيب الأولويات ليتصدر الحديث عن المسجد الأقصى سلم الأولويات، فهو يتساوى مع أعراض وحرمات المسلمين؛ لأنه جزء من العقيدة!".
ولخص كلا من الزميلي والحولي الدور المطلوب من العلماء في العالمين العربي والإسلامي لنصرة القدس والمسجد الأقصى في عدة نقاط:
-إشاعة الاهتمام بالقدس، ونشر المعارف المقدسية، وتدشين حرب القدس الثقافية في كل الأوساط وخصوصاً في المساجد والجامعات.
-عقد الملتقيات والندوات والمؤتمرات حول الأخطار المحدقة بالأقصى المبارك والقدس الشريف، وإحياء الجهود السابقة وخصوصاً مقررات أول مؤتمر إسلامي في القدس والذي قرر في 5/12/1931م إقامة جامعة الأقصى داخل أسوار وردهات المسجد الأقصى لبعث دوره من جديد.
- تبني المشاريع الحضارية التي دشنها رهينة الأقصى الشيخ الأسير رائد صلاح؛ لأنها جميعاً تصب لجهة الحفاظ على عروبة القدس وإسلامية المسجد الأقصى.
-توجيه الباحثين والدارسين نحو المعارف المقدسية، وتحقيق المخطوطات والتراث المقدسي، مع الاهتمام بالإرث المقدسي المحفوظ بوفرة في دور الأرشيف العثماني في الولايات التركية ويستهدفه الصهاينة بشكل منهجي.
- إيجاد إطار دائم باسم "علماء لأجل القدس"؛ لغرض التصدي للعدوان اليومي على القدس والأقصى.
- التواصل مع الجهات الكنسية المقدسية ورجال الدين المسيحي في القدس؛ بقصد مراكمة الجهود في مواجهة العدوان النازل على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
-إصدار نداء إلى علماء الأمة يطالبهم بإدامة التصدي للمؤامرة المتدحرجة ضد الأقصى.
- دعوة شيوخ وخطباء المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف لإدامة التحذير من المكائد اليهودية وفضح التآمر اليهودي على المسجد الأقصى.
- تحديد يوم(21/8) من كل عام كيوم للأقصى المبارك تنظم فيه المواسم الثقافية وتنطلق فيه المسيرات ويكشف عن تمسك مجموع الأمة بقبلتها الأولى خصوصاً وأن شهر آب الذي يشهد دوماً ذروة التباكي اليهودي على البقعة التي يقوم عليها الأقصى!
- أن يحدد مسجد في كل بلد إسلامي ليكون منبراً للأقصى والقدس.
- السعي لكفالة مرابطين في الأقصى، يقومون على الصلاة فيه، والتعريف بفضائله، والتأكيد على أحقيتنا فيه.