الجمود الفكري.. أسبابه وعلاجه

الرئيسية » بصائر الفكر » الجمود الفكري.. أسبابه وعلاجه
light-bulbs

لاشكّ أن العقول النيرة المتفتحة الناضجة هي ترجمة لحالة فكرية راشدة، فلا هي مراهقة، ولا هي متجمدة في مكانها الفكري لا تُقدم أو تؤخر، بل تصنع أساليب فكرية، وتشدد على أهميتها، حتى تحولها من فكرة لثابت وأصل.

ونحن في هذا المقال، نناقش ظاهرة الجمود الفكري ودوافعه مع وصف الدواء، والبداية بالتعريف، فالجمود: هو الثبوت وعدم الحركة، يقال جمدت عاطفة الرجل فلا حراك فيه، ومن ثم فالجمود الفكري هو ذلك التوصيف، جمود بلا حراك أو تجدد يضيف أو ينقذ أو يتراجع ويقيم ماضيه.

ولعلّ هذا ما تعانيه الكثير من الحركات والكيانات -إلا من رحم ربي- في بعض البلدان، ويقيناً أهل مكة أدرى بشعابها، لكن القياس ليس له محل من الإعراب، خصوصاً في هذا المقال؛ لأن الدساتير والرؤى والأطروحات، والسعي لترك مناطق العطل والجمود الفكري تحتاج إرادة صادقة وكفى، فلا هي تنازل عن ثوابت، و لا خيانة لدماء الشهداء، بل هي تلبية ورفعه وراحة بال.

-أسبابه:

أولاً- ضعف البصيرة، وعدم الإلمام الكامل بفقه الحياة التي لاتقف أو تتعطل، فعلى مدار الساعة هناك أحداث تستلزم معها حراكاً فكرياً ونشاطاً توعوياً، وليس ضيق أفق وشعارات رنانة، ولابد لمن يحلحل هذا الركود والقعود إلى فهم وبصيرة.

ثانياً- التوسع الفردي، والمقصود أن البعض يتوسع فردياً في كيان أو حركة مثلاً، فيكبر ويصبح الآمر الناهي بحكم موقعه داخل القيادة، فيكون توسعه على حساب مشروع الأمة الجامع، الذي -بلا شك- الكثير من الحركات والكيانات هي دافعة؛ لتصوره وتكوينه كطوق نجاة لهذا الترهل الذى تحياه الأمة، فضلاً عن انحسارها وكسرتها، لذلك فالعمل المؤسسي المنضبط ضمانة حقيقية لعلاج الجمود والقعود .

ثالثاً- الاستبداد السياسي، إن المعارك السياسية القائمة بشيء من العنف ضد كل من هو رافض للظلم، ومناد بالحياة الكريمة هو أيضاً من أسباب الجمود، فلا خطوة للأمام أو للخلف من شدة الوضع، لكن المؤمل أن يكون هذا الركود يقابله نشاط في الفرقة، وعدم السعي لتوحيد الكلمة والتحام الراية، فإذا كان الطغاة أصحاب قبضة قوية، فالسعي للتوحد بمثابة رد صادم لهم .

رابعاً- غياب الأبحاث، من المحزن أن الكثير من الحركات لا تهتم بالجانب البحثي على مدار سنوات، وما زالت حتى اللحظة موضوعات البحث العلمي والدراسات ورؤى واستشراف المستقبل، كل هذه ليست في الإطار الاهتمامي لهم، وتلك مصيبة ربما أوردت أصحابها المهالك في كثير من البلدان، مع عظمة فضل البحوث والعلوم السياسية الاستشرافية، ولربما وجودها كان هوّن الخسائر، أو قلّل من حجم الصعاب -خصوصاً- بعد ثورات الربيع العربي.

من المحزن أن الكثير من الحركات لا تهتم بالجانب البحثي على مدار سنوات، وما زالت حتى اللحظة موضوعات البحث العلمي والدراسات ورؤى واستشراف المستقبل، كل هذه ليست في الإطار الاهتمامي لهم

خامساً- محاولات فرض الرأي، إن الجمود الفكري منبعه نفسيّة عقيمة، منهزمة قدراتها، قليلة في تعلمها، فتسعى لفرض هذا الواقع على الجميع بالترهيب تارة، وبالترغيب أخرى، وفي كل الأحوال تلك مصيبة فكرية، فإسلامنا علّمنا أن توظيف الطاقات وفق قدراتها، فلا مجاملات في العمل؛ لأن الأمور كلها مغارم، وليست مغانم -كما كنا نفهم-، لذلك فسيادة اللوائح والشورى هي ضمانة رحيل المعطل ذو القدرات الضعيفة، وفتح المجال لصاحب التخصص ، فالاحترافية جزء من حسن الفهم.

-العلاج:

إن علاج أي شىء في المجال الفكري هو التفكير خارج الصندوق بشكل كبير، فلا داعي لتأصيل الفروع وتثبيتها على أنها أصول وثوابت من الدين، فنلبسها لباس القدسية، ومعها يصمت أي شخص يدعو للتقدم والتطور.

لا داعي لتأصيل الفروع وتثبيتها على أنها أصول وثوابت من الدين، فنلبسها لباس القدسية، ومعها يصمت أي شخص يدعو للتقدم والتطور

ثانياً- حتمية الرجوع لكبار الأئمة من العلماء والمجددين والفقهاء الثقات، والقبول بأطروحاتهم ونقدهم الذاتي، والعمل على إصلاح كل شئ يعطل زوال هذا الجمود الذي طال وأصاب الجميع في بيئة غير محدثة، في زمن التحديث والتطوير وطلوع الفضاء.

ثالثاً- التسلُّح بسيرة مفكري ورواد التغيير والتطوير من هذه الأمة، ودراسة تاريخهم في مناهج التربية والنشرات الصحفية، وإلقاء الضوء عليهم حتى تعي الأجيال الحالية واللاحقة فضل جهادهم وجهدهم في تكوين رؤية إسلامية حديثة ومحدثة.

رابعاً- الانفتاح على كل التيارات والشخصيات الفكرية الموجودة من مختلف التوجهات، والحوار معهم يثري ويضيف للطرفين ليبقى الناجح هو الأوطان والدعوات بلا تخوين أو مزايدات.

ختاماً، لاخير في عقل لايسعى لتطوير فهمه، وتحديث طاقاته، وتوظيف إمكانياته، وأن يسعى بصدق قلبي وعقلي لكل خير وتقدم، فالأصل هو الرغبة والسعي لمعالي الأمور، فهماً وقولاً وعملاً بلا قيود أو روتين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

هل يصح الشك بوابة لليقين؟ (2-2)

سبق في الجزء الأول بيان منشأ مذهب الشك على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وآثار …