الدولة المستوردة

الرئيسية » كتاب ومؤلف » الدولة المستوردة
الغلاف الأمامي

تُعتبر قضية التبعية للغرب، إحدى أهم القضايا التي تشغل بال المفكرين الإصلاحيين في العالم الثالث، أو ما يُعرَف بدول الجنوب، والتي من بينها دول عالمنا العربي والإسلامي.

ولعلها هي القضية الأهم في سؤال النهضة والتنمية وتعظيم المناعة الذاتية للدولة، أية دولة، حيث الاستقلالية تقود إلى تمكين الدول من امتلاك مقدراتها الذاتية، وبالتالي قرارها، وهو بطبيعة الحال ما يتعارض مع مصالح القوى الاستعمارية الكبرى.

وبين أيدينا كتاب بعنوان "الدولة المستوردة... تغريب النظام السياسي"، للعالم السياسي والاجتماعي الفرنسي، "برتران بادي"، يتناول فيه قضية التبعية بمختلف مستوياتها في دول العالم الثالث (السياسية والاقتصادية والثقافية)، والسبيل الأمثل لتجاوز هذه الحالة التي اعتبرها أكثر معطلات التنمية في عالمنا العربي.

و"بادي" هو أستاذ في العلاقات الدولية، في معهد الدراسات السياسية بباريس، وأستاذ مشارك في مركز الدراسات والأبحاث الدولية في العاصمة الفرنسية.

برتران بادي

وله اهتمام كبير بفرعَيْن رئيسيَّيْن من الكتابات السياسية، النظم السياسية والاجتماعية، بينما كان على المستوى التطبيقي، له اهتمام بالأوضاع في العالم العربي والشرق الأوسط والعالم الإسلامي، سواء على المستوى السياسي والاجتماعي، أو على مستوى التطورات الداخلية، ولاسيما بعد ثورات الربيع العربي.

ومن بين أهم كتبه: "سوسيولوجيا ماكس فيبر"، و"الدولتان.. الدولة والمجتمع في الغرب وفي دار الإسلام"، و"عالم بلا سيادة..الدولة بين المراوغة والمسؤولية"، و"أوضاع العالم (2013) حقائق القادة والأسباب الحقيقية للتوترات فى العالم"، ووضعه بالاشتراك مع عالِم السياسة والاجتماع الفرنسي، "دومينيك فيدال"، وأخيرًا كتاب "السياسة المقارنة"، ووضعه بالتعاون مع الكاتب الفرنسي "جيه.هيرمت".

وبدايةً، فإن الملمح الرئيس الذي ركّز عليه المؤلف في كتابه هو "صُنَّاع القرار"، و"النظم السياسية"، ودورها في هذه التبعية.

فهو بالرغم من أنه قادم من خلفية فرانكفونية، إلا أنه لا يتفق مع سياسات بلاده الاستعمارية القديمة، ولكنه يميل إلى أن يحمّل تبعة الأزمات الراهنة في العالم العربي والإسلامي –وهو من المهتمين بالعالم الإسلامي اصطلاحًا، وليس بمصطلح الشرق الأوسط، بخلاف كثيرين في الغرب– إلى التحالف الأنجلو ساكسوني.

ومن المعروف أن "بادي" من علماء السياسة المعدودين في العالم، الذين لهم مصطلحات اصطكوها بأنفسهم في العلوم السياسية والاجتماعية، فهو يوصِّف الدول التابعة بـ"الدول الزبونة"، والدول المهيمنة بـ"الدول الراعية".

الكتاب جاء في ثلاثة أجزاء وستة فصول، كل جزء منها كان من فصلَيْن، وكان الجزء الأول بعنوان: "تصدير النماذج السياسية"، أما الثاني، فكان بعنوان: "استيراد النماذج السياسية"، فيما كان الجزء الثالث بعنوان: "تعميم كوني فاشل وانحراف مبدع".

ويمكن القول إن هناك عددًا من المركزيات الفكرية التي تناولها الكاتب في هذا الإطار العام لما أراد المؤلف تناوله.

المركزية الأولى- هي أنه وبالرغم من تعدّد الرؤى التي قدمها حول مسألة التبعية، إلا أنه أكّد أن المدخل الأساسي لهذه التبعية، هو فشل التجارب الاقتصادية والتنموية للدول النامية، وتفضيلها في هذا الصدد، أخذ أنظمة غير ملائمة من الزاوية الثقافية والاجتماعية عن الغرب.

المركزية الثانية- التي كانت في ذهنية المؤلف، هو نوعية النظم السياسية، سواء تلك التي تعمد إلى تصدير نموذجها، أو تلك التي تستوردها. فالنوعية الأولى هي في الغالب نظم إمبراطورية ذات تاريخ استعماري، ونفوذ دولي، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، أما النوعية الثانية، فهي نظم استبدادية ديكتاتورية في الغالب.

وفي هذا الصدد، وفي إطار تحليله لبُنية الأنظمة السياسية والاقتصادية المعمول بها في العالم العربي والإسلامي، وفي العالم الثالث، فإنه ومن خلال تجارب مثل: مصر والهند وغيرها من الدول الكبرى، التي قادت مشهد الجنوب في مرحلة ما بعد الاستعمار المباشر، فإنه يشير إلى أن "الاستيراد" شمل حتى الأنظمة القانونية، وهو ما أكّد أنه ساهم في إضعاف الدولة القومية الوليدة في هذه المناطق من العالم.

المركزية الأخرى المهمة التي كانت ضمن سياقات التأثير على أدواته في التحليل هي قضية "العولمة" أو "Globalization"، أو ما ترجمه المترجم إلى مصطلح "الكونية"، حيث أشار إلى أنها كانت إحدى أهم أدوات الهيمنة.

وأشار إلى أن القوى الكبرى حاولت تصدير نموذجها من خلال مختلف الوسائل، مثل: الإعلام ونماذج التنمية والأنظمة القانونية والسياسية.
ويمسُّ ذلك كله قضيتَيْن مهمتين في واقع العالم الثالث: السيادة، والهوية، حيث قال إن عمليات "التصدير والاستيراد" هذه مسَّت قدرة الدول النامية على الحفاظ على سيادتها، وكذلك مست شكل هويتها الأصلية، الثقافية والاجتماعية.

وفي هذا الصدد، أشار إلى تجارب بعض الدول التي تمسكت بهويتها وخصوصياتها، وخصوصًا في المجال الثقافي، وحاولت الموائمة بينها وبين الاعتبارات التي تفرضها العولمة أو "الكونية"، ولاسيما في المجال الاقتصادي، مثل الصين واليابان والهند.

وفي هذا الإطار يُلاحَظ أن هذه الكيانات سعت إلى الحفاظ على هويتها الثقافية، ولكنها استفادت من مزايا "العولمة" أو "الكونية" في ثمرة التنمية، مثل السوق الحرة، وحرية تبادل عناصر العمل ورؤوس الأموال، وغير ذلك.

وعند تقييمه لهذا الحَراك، فإنه يشير إلى ما وصفه بـ"فوضى دولية"، نتجت عن عمليات "الاستيراد والتصدير" هذه، بالذات في مجالات الاجتماع والثقافة وقضايا الهوية بشكل عام.

كما أشار إلى أن ذلك خلق شكلاً جديدًا من أشكال الديكتاتورية، أو ما أطلق عليه مصطلح "أقلمة العالم"، حيث جرى صبغ العالم بصبغة واحدة سياسية وقانونية وهوياتية بمختلف مستوياتها، الاجتماعية والثقافية، وفق ما تراه الدول "المصدِّرة" أو ما أطلق عليه "الدولة الراعية".

وقال بأن مساعي صبغ العالم بصبغة واحدة، قاد إلى نوعَيْن من الفوضى، النوع الأول: فوضى داخلية في هذه الدول، في ظل عدم كفاءة أو فاعلية الأنظمة المستوردة، وعدم ملائمتها للظروف والسمات التي تتباين من مجتمع وآخر.

وقال إن ذلك قاد إلى حالة الفوضى التي تعرفها الكثير من البلدان العربية والإسلامية، والشرق أوسطية في هذه المرحلة من تاريخها.

النوع الثاني من الفوضى الذي أشار إليه: هو الفوضى الدولية؛ حيث أشار إلى أن "العولمة" أو "الكونية" لا تعني تداخل وتلاقح النماذج، وإنما تعني تعميم نموذج واحد، وبالتالي ضعفت عمليات الابتكار والإبداع الإنساني على المستوى الدولي، بل إن الأمر وصل إلى مستوى تعميم نماذج الفوضى الداخلية التي ضربت بأطنابها الكثير من الدول في العقود الأخيرة.

وأخيرًا، فإن الكتاب مزود في نهايته بقاموس للمصطلحات التي استخدمها المؤلف في كتابه، وهو عبارة عن قاموس، وليس مجرَّد ثبتٍ بهذه المصطلحات بالشكل التقليدي، فإن فيه تعريفات متكاملة بأبرز المفاهيم التي أراد الكاتب إيضاحها للقارئ، واستخدمها في كتابه، مثل "رأسمالية الدولة"، و"الشعبوية"، و"الشتات التجاري"، وما إلى ذلك، وهو من أهم الأقسام التي جاءت في الكتاب؛ لأنه يشرح بدقة المصطلحات المرتبطة بالحراك الذي نراه من حولنا في عالمنا العربي والإسلامي ومسبباته.

بيانات الكتاب:

اسم المؤلف: برتران بادي.

نقله إلى العربية: لطيف فرج.

اسم الكتاب: الدولة المستوردة... تغريب النظام السياسي.

مكان النشر: القاهرة.

الناشر: مدارات للأبحاث والنشر.

تاريخ النشر: يناير 2017م.

الطبعة: الأولى لمدارات للأبحاث والنشر.

عدد الصفحات: 508 صفحات من القطع الكبير.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …