السلفيون…. ليسوا سواء

الرئيسية » بصائر الفكر » السلفيون…. ليسوا سواء
salaf15

السلفية غير السلفيين. فالسلفية هي المنهج القويم الذي يعني السير على القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وهو نهج أهل السنة والجماعة كلهم، وبالتالي فالسلفية كمنهج ليست حكراً على جماعة أو اتجاه، وإنما هي وعاء كبير يستوعب كل أطياف الأمة من إخوان وسلفيين وتبليغيين وأنصار سنة وجهاديين وصوفيين، بل وتشمل السلفية عوام المسلمين من أهل الإيمان الفطري والإسلام السويّ.

والسلفية كمصطلح (مصطلح مشكِل)، حيث إن الباحث يجد أنه مصطلح لا يُدرى له تاريخ للظهور، بل ولا تُدرى له حاجة لهذا
الظهور، فقد كان مصطلح (أهل السنة والجماعة) هو المعبر المعتمد عن أولئك الذين يتبعون قرآن ربهم وسنة نبيهم، ويلتفتون إلى الرصيد العلمي العظيم الذي أبدعه أسلافهم، فهم أقرب الناس للنبوة وأثبتهم أخذاً عنها وأنبههم عقولا وأكثرهم حفظاً وآمنهم على النقل والأداء.

وبالتالي فلم يكن هناك داع لظهور هذا المصطلح الجديد (السلفية)، فقد كان في سابقه (أهل السنة والجماعة) الكفاية والغناء.

لم يكن هناك داع لظهور هذا المصطلح الجديد (السلفية)، فقد كان في سابقه (أهل السنة والجماعة) الكفاية والغناء

ولكن البعض يذكر أن كثيراً من المبتدعين والمحرّفين قد كانوا يدّعون انتساباً لأهل السنة والجماعة، وهو على غير الحقيقة، فظهر مصطلح السلفية ليفرّق بين أهل السنة والجماعة الحقيقيين وأولئك المدّعين الكاذبين.

ولكن هذا في رأيي لم يكن مدعاة ذات قيمة للبحث عن مصطلح جديد، وكان يكفي أن يؤكَدَ دائماً على منهجية أهل السنة والجماعة، مع تعرية المدّعين الكاذبين الذين لا بد أن يتنبه لهم الناس ويحذروا منهم.

والذي يُخشى منه في الادعاء مع مصطلح أهل السنة والجماعة، يُخشى أيضا منه مع مصطلح السلفية.

وقد ذكر أحد أقطاب السلفية المعاصرين (الشيخ محمد عبد المقصود) أنه اعترض على هذه التسمية من قديم، وما كان ينبغي أن تُقصِر إحدى التيارات ادعاء المنهج السلفي عليها وحدها، فالكل منتسب إليه بأسبقية انتسابه لمنهج أهل السنة والجماعة.

هذا عن السلفية، فماذا عن السلفيين؟

كما ذكرنا، هناك الكثير ممن ادعى الانتساب إلى منهج أهل السنة والجماعة وهو منه براء، وكذلك هناك الكثير ممن يدعي الانتساب إلى المنهج السلفي وهو منه براء، وأنا هنا أتحدث عن ذلك التيار الذي سمى أتباعه بالسلفيين وأصبح له مظهر وجوهر يعبران عن تياره واتجاهه.

فمِن السلفيين...هؤلاء الذين أخذوا بظواهر النصوص وقشور العلوم ثم نصّبوا أنفسهم علماء لا يعرف الحق إلا هم، وأخذوا يتطاولون على غيرهم من أهل العلم الآخرين وأهل الاتجاهات الأخرى.

ومنهم أولئك الذين نذروا أنفسهم للعلم الحقيقي والبحث المتجرد، فأصبحوا علامات لهذا العلم ولهذا الدين، وما زادهم علمهم إلا رفقاً وليناً وتقبلاً للآخرين.

من السلفيين الذين أخذوا بظواهر النصوص وقشور العلوم ثم نصّبوا أنفسهم علماء لا يعرف الحق إلا هم، ومنهم الذين نذروا أنفسهم للعلم الحقيقي والبحث المتجرد، فأصبحوا علامات لهذا العلم ولهذا الدين

ومن السلفيين...هؤلاء الذين رأوا أن أعظم ما يتقربون به إلى الله الشتم والسب والقذف لكل من خالفهم في رأي أو حاد عنهم في اتجاه، ووصل الأمر بهم إلى أن يقولوا بأن محاربة الاتجاهات الإسلامية الأخرى _التي يرونها اتجاهات بدع وضلالة _ أهم من محاربة الأعداء من اليهود والنصارى والعلمانيين، وأن خطر هذه الاتجاهات على الدين أشد.

ومنهم أولئك الذين علموا يقيناً أنّ الحق ليس حكراً عليهم وحدهم، وأن الحق ليس لزاماً أن يكون واحداً في كل قضية، ولكنه قد يتعدد، فيأخذ البعض برأي ويأخذ البعض برأي آخر، ويكون الحق معهم جميعاً، ولذلك فقد رأوا أن الاتجاهات الإسلامية الأخرى العاملة على الساحة اتجاهات خير، وأنه يجمعهم معهم أكثر مما يفرقهم، فعدلوا معهم وتحببوا إليهم.

ومن السلفيين من ركنوا إلى جبنهم وخوفهم، فرفضوا مجابهة الظلم والطغيان، وادعوا في ذلك كذبا أنهم يرون أن الإصلاح من القاعدة أهم وأولى من محاولات إصلاح الرأس والقيادة، وما كان الأمر منهم إلا جزعاً وفزعاً وادعاء وكذباً.

ومنهم أولئك الذين تركوا مجابهة الحكام، ليقينهم الصادق أن هذا لن يفلح، وأن الأفضل للمرحلة أن ينشروا دعوتهم ومنهجهم حتى يأذن الله يوماً بصلاح الحاكم فيكون من المحكومين الصالحين عوناً له، وقد اجتهدوا في ذلك بإخلاص ولهم أجرهم، حتى وإن كانوا قد أخطؤوا الصواب في اجتهادهم، فالعبرة بالنيات والقلوب.

ومن السلفيين من وقفوا ضد ثورات الربيع، وادعوا عليها العمالة للأجنبي والتخريب والتدمير، والبيانات والتصريحات التي كنا نقرؤها لهم ساعتها موجودة وموثقة.

ومنهم أولئك الذين كانوا في الثورة والميدان، الذين رابطوا وصبروا ولم يلتفتوا إلى رؤى بعض مشايخهم المنبطحة، ولكنهم اتبعوا أكارم علمائهم، الذين دفعوهم دفعاً إلى نصرة إخوانهم في الميدان، صحيح أنهم لم يكونوا كثراً وكانوا معدودين، لكنهم كانوا موجودين، والعبرة بالرمزية والدافع المعنوي.

من السلفيين من وقفوا ضد ثورات الربيع، وادعوا عليها العمالة للأجنبي والتخريب والتدمير، ومنهم الذين كانوا في الثورة والميدان، الذين رابطوا وصبروا ولم يلتفتوا إلى رؤى بعض مشايخهم المنبطحة

ومن السلفيين من انقلبوا بعد ثورات الربيع انقلاباً هائلاً، فهرولوا إلى السياسة والتحزب بعد أن حاربوهما طويلاً، ولم يكن دافعهم في ذلك إلا حظ النفس والرغبة في القيادة والرياسة، هذه التي أصبحت بلا ثمن يدفع، فقد دفع ثمنها غيرهم في عصر الظلم والقهر.

ومنهم أولئك الذين أخلصوا في اجتهادهم قبل الثورة فهداهم إلى مسالمة الحاكم والبعد عن السياسية والتفرغ للدعوة، ثم أخلصوا بعد الثورة في اجتهادهم فهداهم إلى الدخول إلى العمل السياسي لانتفاء المانع، فلهم أجرهم سواء أصابوا أو أخطؤوا.

ومن السلفيين من ناداهم إخوانهم أيام كان الجميع يحاربهم ويعتدي عليهم أمام مقراتهم، ويستعينون بالبلطجية والمأجورين والفاسدين وأذناب النظام الساقط عليهم، حتى أسقطوهم في الثلاثين من يونيه، وعلى الرغم من كل ذلك وعلى الرغم من مناداة إخوانهم لهم، ركنوا إلى جبنهم وخورهم المعروف والمعهود، بل ومنهم من شاركوا في الانقلاب على إخوانهم، وأيدوا القتل والطغيان عليهم.

ومنهم أولئك الذين خرجوا لإخوانهم يناصرونهم ويفتدونهم بأرواحهم، فدفعوا معهم أثماناً باهظة من دمائهم وأرواحهم وأموالهم وحرياتهم، وما زالوا يدفعون.

ومن السلفيين من يستمر إلى الآن في تأييد أنظمة الطغيان والعمالة، والتآمر على المشروع الإسلامي، وكل القضايا الإسلامية، وموالاة أعداء الأمة.
ومنهم أولئك الذين ينصرون الحق ويعادون الباطل والظلم والطغيان، أولئك الذين تستمر حروب الطواغيت عليهم مع إخوانهم الآخرين سواء بسواء.

ومن السلفيين من إذا رأيته رأيت وجهاً متجهّماً وعيوناً جاحظة وملامح غليظة. شكل ظاهري ينبئ كثيراً عن جوهر أشد قساوة وظلمة.

ومنهم من إذا رأيته رأيت وجهاً سمحاً بسّاماً وقسمات لينة، تنبئك عن داخل وضاء مزهر، وعن قلب وعقل يحتويان الجميع فيجتمع عليهما الجميع.

الخلاصة: السلفية غير السلفيين، والسلفيون مثل غيرهم من التيارات والجماعات الإسلامية الأخرى، أخذوا من السلفية كما أخذ غيرهم، وتركوا كما ترك غيرهم، فلا السلفية حكر عليهم ولا على غيرهم، ولا التقصير من غيرهم في الأخذ بالسلفية الحقة في بعض النواحي، بأكثر من التقصير منهم في الأخذ بالسلفية الحقة في بعض النواحي.

ومن السلفيين من هم الأبعد عن السلفية الحقة من كل التيارات والجماعات الأخرى.

ونؤكد على أنه قد كان في مصطلح (أهل السنة والجماعة) الغناية والكفاية، ولم نكن بحاجة لظهور هذا المصطلح (السلفية) الذي يؤدي نفس المعنى والمقصود، ولقد وضع السلف مصطلح (أهل السنة والجماعة)، وقصدوا به الدلالة على معناه المعلوم، وقد كان الأولى بنا، إن كنا نحب أن ننتسب لهم حقاً، أن نُبقي على مصطلحهم مصطلحاً معتمداً، لا ينافسه مصطلح غيره، فيحدث من الارتباك والتنازع أكثر مما يحدث من الوحدة والعصمة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

كيف قاد النبي ﷺ جيشه إلى النصر؟

لم يكن النبي ﷺ قائداً عسكرياً تقليدياً تلقى تعليمه في أكاديميات الحرب، لكنه كان خير …