النجاح وفن إدارة الوقت

الرئيسية » خواطر تربوية » النجاح وفن إدارة الوقت
time122

يتردد على مسامعنا كثيراً مقولة: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، كما أننا نسمع الكثيرين من حولنا يشتكون من عدم البركة في أوقاتهم، بحيث لا ينجحون في إنجاز ما عليهم من مهمات، كل هذه الأمور وغيرها جديرة بأن تجعل الإنسان يتوقف مع نفسه لحظة صدق ويسألها: ماذا يعني لي الوقت؟ هل هو عنصر هام في حياتي؟ هل أخطط كيف سأقضي يومي؟ هل أكون على علم مسبق بمهماتي التي سأقوم بإنجازها يومياً وفقاً لمخطط يومي مسبق؟ تساؤلات عديدة لا بدّ من الإجابة عنها.

لا شكّ أن للوقت أهمية كبيرة في حياتنا البشرية، بل إنه الحياة نفسها، فما مضى من الوقت انتهى ولا يمكن أن يعود وهو محسوب من أعمارنا، يكفينا أن الله عز وجل قد أقسم بالوقت لأهميته، فقال عزّ من قائل -على سبيل المثال لا الحصر-: {والفجر وليال عشر} [الفجر، آية:1-2]. كما قال تعالى: {والعصر إنّ الانسان لفي خسر} [العصر، آية:1-2].

والإنسان سيأتي يوم القيامة نادماً على كل لحظة مرت من عمره دون استغلالها في طاعة الله وذكره، أو في إنجاز أي عمل آخر نافع يعود عليه وعلى غيره بالخير، فالوقت من أهم النعم التي أنعمها الله علينا.

إن فئة الناجحين من الناس هم من يدركون معنى الوقت جيداً، فهم يعرفون حق المعرفة أهمية الساعة والدقيقة بل والثانية من حياتهم، فقد تكون الفائدة كبيرة من دقيقة واحدة بسيطة استغلت بطريقة صحيحة، ولكننا وللأسف نرى الكثيرين ممن يهدرون وقتهم سدى، إنهم يضيعون الساعات والأيام الطوال بأمور تافهة، ما أنزل الله بها من سلطان، دون أن يقدّموا شيئاً مفيداً لهم أو للبشرية، ما معنى أن يغادر الإنسان هذه الحياة من دون أن يترك له بصمة واضحة تشهد على أنه أعطى لحياته معنى.

إن فئة الناجحين من الناس هم من يدركون معنى الوقت جيداً، فهم يعرفون حق المعرفة أهمية الساعة والدقيقة بل والثانية من حياتهم

على الإنسان أن يضع لحياته هدفاً أو مجموعة من الأهداف، ويحاول تحقيقها ضمن خطة واضحة، وبعون الله، وبإدارته الصحيحة للوقت سيجد أنه من الواصلين الناجحين، وسيحقق أهدافه الواحد تلو الآخر.

رغم أني أرى أن الكثيرين قد كتبوا في هذا الموضوع، إلا أنني أعتقد أنه لا بدّ من إثارته دائماً وأبداً؛ لأهميته وأثره على الأمة جمعاء.

إن الإنسان مسؤول عن وقته أمام الله عز وجل، فليسأل كل منّا نفسه إن كان قد وفق في استغلال وقته بالطريقة المثلى، فيما يعود بالنفع عليه أو على أسرته أو مجتمعه، فالوقت هو نعمة أنعمها الله على الإنسان؛ للانتفاع بها بالشكل الصحيح فيما يرضي الله عز وجل، كالقيام بالأعمال المفيدة بأشكالها: كصلة الرحم، وزيارة الأقارب وغيرها. ومن جانب آخر، استغلال الوقت لتقوية الجسم بممارسة مختلف أنواع الرياضة، أو ممارسة أي هواية محببة ومشروعة يستمتع الإنسان بالقيام بها، وبالتالي يشعر بالرضا والسعادة، على أن يبتعد الإنسان عن الكسل والتراخي؛ لما فيها من هدر وضياع لوقته الثمين.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن عصرنا الحالي هو عصر التكنولوجيا، وأنا أسميه عصر الهاتف النقال، وذلك لما يأخذ هذا الجهاز الصغير من وقتنا وحياتنا دون أن نشعر، لذا على من أراد أن يكون فعّالاً مستغلاً لوقته استغلالاً حقيقياً محققاً لأهدافه -أن يتأكد من أن الهاتف النقال وغيره من الأجهزة الإلكترونية لن تكون عائقاً في سبيل تركيزه، وإتقانه لعمله، وتحقيق ما يصبو إليه. نصيحتي في هذه الحالة أن يكون الإنسان منظماً في حياته، ويقرر ما يريد القيام به أولاً، وهو ما يسمى بتحديد المهمة، ومن ثم يعطي نفسه وقتاً كافياً لتحقيقها وإتقانها على أن يطفئ الهاتف النقّال، أو يبعده عن نظره، أو يضعه على وضع الصامت، فلا ينشغل أو يلتهي بما يصدر من الرنين أو الإشعارات، فهو يعتبر من أهم الأسلحة الفتّاكة التي تقضي على الوقت الثمين إن لم يستخدم الاستخدام الصحيح.

كذلك إنّ من أهم الأمور التي تساعدنا على تنظيم وقتنا هي تحديد الأولويات في المهام، وعمل قائمة منظمة تبدأ بالأهم فالأقل أهمية، حتى يتم التركيز على ما سوف يتم إنجازه في الوقت المحدد.

إنّ من أهم الأمور التي تساعدنا على تنظيم وقتنا هي تحديد الأولويات في المهام، وعمل قائمة منظمة تبدأ بالأهم فالأقل أهمية، حتى يتم التركيز على ما سوف يتم إنجازه في الوقت المحدد

إن لتنظيم الوقت فوائد لا تعدُّ ولا تحصى، ومن أهمها:

• الشعور بالإنجاز، وهذا يعطي الإنسان شعوراً رائعاً به من الرضا والسعادة، ما يكفي ليكون فرحاً وقانعاً بنفسه وقدراته، مما يؤثر إيجاباً على الاستقرار النفسي، والذي ينعكس بدوره على كافة نواحي الحياة.

إن من ينظم وقته بشكل صحيح يكون قادراً على عمل الكثير، وكذلك يكون قادراً على إعطاء نفسه حقها من النوم والراحة ، فكل الأمور قد حسب حسابها ضمن خطة منظمة وفق وقت زمني محدد، بما فيها الراحة البدنية، فالجسم له حق أيضاً، فالفرق بين من ينظم وقته وغيره، هو أن الإنسان المنظم قادر على التركيز على مهمة واحدة، ضمن مدة زمنية محددة، كافية لإنجازها على أن تكون هذه المدة خالية تماماً من الملهيات، كالانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنسي الإنسان نفسه، وتغرقه في بحر اللاوعي والوهم، ومما هو جدير بالذكر، أن ما سبق ذكره لا يعني أن الإنسان لا يستطيع تخصيص وقت لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو الهاتف النقال، فهي إن استخدمت في شكلها الصحيح تكون مفيدة، فالاعتدال مطلوب في كل الأمور حتى تتحقق المصلحة المبتغاة.

الفرق بين من ينظم وقته وغيره، هو أن الإنسان المنظم قادر على التركيز على مهمة واحدة، ضمن مدة زمنية محددة، كافية لإنجازها على أن تكون هذه المدة خالية تماماً من الملهيات

• إن من تقدير الوقت عدم هدره في ما هو غير مفيد، لذا فليس هناك أهم ولا أفضل من تلاوة من كتاب الله يومياً -إن أمكن-، وذلك بتخصيص وقت معين لذلك ولو كان يسيراً.

• كما أن هناك طريقة رائعة لاستثمار الوقت المهدور الضائع رغماً عنا، كوجود الإنسان في السيارة، أو في إحدى وسائل المواصلات مثلاً، ففي هذه الحالة يستغل هذا الوقت في الاستماع للقرآن الكريم، أو ترطيب اللسان بذكر الله، فلا يكون لديه أي هدر، ويشعر الإنسان بشعور رائع؛ كونه يذكر الله ويحقق رضاه تعالى، إضافة إلى جمع المزيد من الحسنات التي لا تعد ولا تحصى.

وأخيراً علينا أن نتعظ من قول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) (رواه البخاري).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة وأديبة ومحاضرة في الأدب والفكر، لها العديد من البحوث والمؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية. حاصلة على شهادة الدكتوراة في التعليم (القيادة التربوية والإدارية). تقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية وورش العمل في مجالات عديدة. درست الأدب الانجليزي والشريعة الإسلامية. وقدمت مساهمات في العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية فيما يختص بتطوير التعليم وطرائقه. لها اهتمامات عديدة في مجالات الأسرة وكذلك تنمية وتطوير الذات.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …