خبراء: المشكلات الاجتماعية تمثل دوافعاً لا أسبابًا للجريمة

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » خبراء: المشكلات الاجتماعية تمثل دوافعاً لا أسبابًا للجريمة
53956782 - prisoner in jail

مع بدء الحكومة الأردنية تطبيق عدة قرارات منذ بداية العام الجاري، تتعلق برفع الضرائب والأسعار، لا سيما ما يتعلق بعشرات المواد الأساسية وعلى رأسها مادة الخبز، شهدت المملكة عدة عمليات سرقة وسطو مسلح، تنوعت بين بنوك تجارية، ومحطات المحروقات، في حالة لم يشهدها الشارع الأردني بهذا الزخم من قبل.

هذه الأحداث شهدت تفاعلاً شعبياً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ربط كثير من المواطنين بين انتشار هذه الجرائم والقرارات الحكومية برفع الأسعار، مع توسع ظاهرة الأتاوات التي بدأت تظهر في عدد من محافظات المملكة، مما يثير التساؤلات من جديد حول فرضية ارتباط تفشي الجريمة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وشهد الأردن في الأيام الماضية حادثتي سطو مسلح على فرعين لبنوك أردنية خلال يومين، و ألقي القبض على شاب سَرق أحد البنوك في العاصمة عمان، فيما لا يزال البحث جارياً عن مرتكب الحادثة الثانية، وتؤكد الأجهزة الأمنية أن هذه الجرائم لا تزال فرديّة الطّابع وليست مُنظّمة، حيث يرى الخبراء أن مثل هذه الحوادث تأتي كردات فعل فردية على الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع، إذ تشير دراسات إلى أن (64%) من الجرائم في الأردن اقتصادية!

شهد الأردن في الأيام الماضية حادثتي سطو مسلح على فرعين لبنوك أردنية

الفقر والاحتقان الشعبي:

زياد سعيد -موظف في القطاع الحكومي في الأردن- اعتبر أن: "الفقر والبطالة يمثلان جسراً إلى الجريمة، -مشيراً إلى- أن ما تشهده الدول العربية من حالة غلاء الأسعار بشكل متواصل ومتكرر، واتساع حالة الفقر في المجتمعات يزيد من حالة الاحتقان الشعبي وبروز مشاكل اجتماعية، مما قد يفرز حالة من التعاطف مع جرائم التعدي على الأموال العامة وأموال الأغنياء" على حد وصفه.

وصدرت العديد من الدراسات التي ناقشت فرضية العلاقة بين الجريمة والفقر، والتي أشار عدد منها إلى أن للفقر تأثيراً على السلوك الإجرامي، خاصة جرائم الأموال والاختلاس، وانحراف الأحداث بشكل عام، فيما يرى مختصون أن المشكلات الاجتماعية وخاصة الفقر والبطالة يمكن اعتبارها دوافع وليست أسبابًا رئيسة ومبررات للجرائم، وأن التربية الإسلامية في المجتمع مثلت دوماً سداً تجاه "السلوك الانحرافي الإجرامي المرتبط بالفقر"، حيث مرت المجتمعات الإسلامية بحالات كثيرة من الفقر، لكنها لم تنعكس على السلوك المجتمعي الذي ظل محافظاً على القيم والأخلاق الإسلامية، مما يشير لعوامل أخرى غير الفقر مرتبطة بارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع.

الربط بين الجريمة والقرارات الاقتصادية

د. عبلة وشاح: لا يمكن قياس أثر القرارات الاقتصادية على المجتمع وربطها بالجريمة إلا بعد مرور فترة من الزمن على العمل بها وليس بعد أيام

واعتبرت رئيسة الجمعية الأردنية لعلم الاجتماع الدكتورة "عبلة وشاح": "أنه لا يمكن قياس أثر القرارات الاقتصادية على المجتمع وربطها بالجريمة إلا بعد مرور فترة من الزمن على العمل بها وليس بعد أيام، -مشيرة إلى- أن الجريمة موجودة في المجتمعات بغض النظر عن الظروف المحيطة بالأفراد".

وأشارت وشاح في حديث لـ"بصائر" إلى: "أن جرائم السرقة مرتبطة بشكل عام بالوضع المعيشي للأفراد، وأنها لم تظهر بشكل مفاجئ، ولا يمكن استخدام الجريمة كرسالة مهما كان نوعها، وأنه لا يمكن ربط ظهور حالات السطو الأخيرة بالقرارات الاقتصادية التي تم تطبيقها قبل أيام، -مشيرة إلى- عدة جرائم سطو شهدها المجتمع في فترات زمنية سابقة".

وأضافت "وشاح": "الجريمة هي خروج على القواعد المتبعة في المجتمع الذي يعيش ضمن ثقافة تستند إلى القيم والعادات والتقاليد الإيجابية المستندة إلى الدين، مما يساعد على تماسك روابط المجتمع، لذا فالجريمة لا تعبر عن وجهة نظر الشارع، ولا يمكن التعاطف مع أي نوع من الجريمة، فيما يمكن للمجتمع أن يعبر عن غضبه تجاه أي قرارات اقتصادية بعدة وسائل، وليس عبر التعاطف مع السلوك الجرمي".

وتشير "وشاح" إلى عدة عوامل مرتبطة بارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية التي تترك آثاراً سلبية على السلوك لبعض الأفراد، ومنها ما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة والتعاطي الإعلامي مع الجريمة، بين من يرى أن إظهار تفاصيل الجرائم التي ترتكب وتجسيدها عبر أعمال فنية يساهم في توعية الناس حول حيثيات الجرائم، وبين من يرى أن إظهار هذه التفاصيل "يفتح شهية" من لديهم قابلية للسلوك الإجرامي لارتكاب جرائم مماثلة، كما أكدت "وشاح" على ضرورة تطبيق القانون وتسليط الضوء على العقوبات الرادعة للجرائم.

رفع الأسعار والأمن المعيشي

حسام عايش: القرارات المتعلقة برفع الأسعار ستزيد من نسبة الفقر والبطالة في المجتمع مما يضغط مباشرة على الأمن الاجتماعي والمعيشي، ويدفع فئة محدودة لارتكاب الجرائم واللجوء للسرقة أو الرشوة

وحول أثر قرارات رفع الأسعار للسلع الأساسية والضرائب على معيشة المواطنين، يرى خبير الاقتصاد حسام عايش أن: "مثل هذه القرارات سيكون لها أثر سلبي مباشر على الحياة المعيشية للمواطن خاصة الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، إضافة إلى قسم كبير من الطبقة الوسطى، فيما لن تستطيع العديد من الحالات التكيف مع الأعباء المعيشية الجديدة".

واعتبر عايش في حديث لـ"بصائر: "أن القرارات المتعلقة برفع الأسعار ستزيد من نسبة الفقر والبطالة في المجتمع مما يضغط مباشرة على الأمن الاجتماعي والمعيشي، ويدفع فئة محدودة لارتكاب الجرائم واللجوء للسرقة أو الرشوة وانتشار الفساد في مستويات الإدارة الدنيا، مما يزيد من الحصيلة الجرمية، وهو ما نأمل عدم وقوعه" بحسب عايش.

ويشير عايش إلى: "أن القرارات الحكومية الأخيرة برفع الضرائب في الأردن لتخفيض عجز الموازنة بقيمة (540) مليون دينار أردني، تشمل عشرات السلع الأساسية، مما سيرفع من مستوى العجز الاجتماعي والاقتصادي لدى المجتمع الأردني ويؤثر على الاستثمار -مشيراً إلى- أن نسبة الفقر "الثابت والموسمي" ستتجاوز (30%) في المجتمع، فيما ستزيد معدلات البطالة التي تبلغ حالياً (18%)، مطالباً الجانب الرسمي بضرورة وضع خطط وبرامج؛ للتخفيف من آثار القرارات الاقتصادية على معيشة المواطن".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفي أردني ، يعمل مع موقع "بصائر" و صحيفة السبيل الأردنية، عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية والمواقع الإلكترونية الأردنية والعربية أبرزها: قناة اليرموك الفضائية، موقع الإسلام اليوم، موقع البوصلة، وله العديد من المقالات في مجالات متنوعة.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …