طريق الهجرتين وباب السعادتين

الرئيسية » كتاب ومؤلف » طريق الهجرتين وباب السعادتين
trhj2

تعريف بالمؤلّف:

الإمام ابن قيّم الجوزية غني عن التعريف، أحد أبرز أعلام المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن الثامن الهجري، ومصنفاته في التزكية والرقائق والتهذيب لا يكاد يخلو منها بيت مسلم. بلغ مجموع ما صنّفه "98" مؤلفًا، من أشهرها: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"، "الداء والدواء" أو "الجواب الكافي"، "عدة الصابرين"، "روضة المحبين"، "إغاثة اللهفان"، "إعلام الموقعين"، "الصواعق المرسلة"، "شفاء العليل"... إلخ.

والكتاب الذي بين أيدينا هو من محاسن ما صنّف، وإن لم ينل حظًا من الانتشار بقدر المذكورين أعلاه، لذلك اخترناه للعرض وتسليط ضوء الانتباه عليه.

توطئة:

هذا الكتاب رسالة من المؤلف لكل مسلم مبتغ سلوك سبيل رضا الله، ينبهه فيها المؤلّف على حاجته لهجرتين:

1. الهجرة إلى الله بالعبودية والتوكل والإنابة والتسليم والخوف والرجاء.
2. الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، بالاتّباع والاقتداء.

في الكتاب فصول كثيرة أهمها:

• فصل: في أن الله هو الغني المطلق، والخلق فقراء محتاجون إليه.
• فصل: في الغني، وانقسامه إلى عال وسافل.
• فصل: في ذكر كلمات عن أرباب الطريق في الفقر والغنى.
• فصل: في بيان منفعة الحق ومنفعة الخلق، وما بينهما من التباين.
• فصل: الاحتجاج بالقدر، والنصوص الواردة في إثباته.
• فصل: بيان وجود الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به.
• فصل: في إثبات الحمد كله لله عز وجل.
• فصل: في أن الله خلق دارين , وخص كل دار بأهل.
• فصل: حكمة خلق الأضداد والأغيار.
• فصل: في مذاهب الناس في دخول الشر في القضاء الإلهي وأصولها.
• فصل: صدق التأهب للقاء الله عز وجل.
• فصل: أقسام العباد في سفرهم إلى ربهم.
• فصل: كل تائب لا بد له في أول توبته من عصرة في قلبه.
• فصل: أسباب نشوء الصبر على الطاعة.
• فصل: في المحبة.
• فصل: خمس مسائل في الشوق.
• فصل: في مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها وهم ثمانِ عشرة طبقة.
• فصل: تغلظ الكفر الموجب لتغلظ العذاب من ثلاثة أوجه.

لمحات من قضايا كبرى يناقشها الكتاب:

• علامة سعادة المبتلى أو شقاوته بالابتلاء:

إذا ابتلى الله عبده بشيء من أَنواع البلايا، فردَّهُ ذلك الابتلاء إلى ربه وألجأه إليه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به . وكان الابتلاء في حقه عين النعمة حتى إن ساءَه الابتلاء، كما يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيئاً وَهُوَ شَر لَكُمْ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

أما إذا لم يردَّه ذلك البلاءُ إلى الله بل شرَد قلبه عنه ولجأ إلى الخلق حتى نسي ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه، فالابتلاء في حقه شقاء وشقاوة. وهو أجدر ألا يشكر في النعمة ولا يذكر ربّه في السرّاء.

• منافع الوقوع في الذنب:

يُورِد ابن القيّم وجوه حكمة وقوع العباد في الذنوب، منها:

1. تعريف العبد حاجته إلى حفظ الله له، وأنه إن لم يحفظه فهو هالك ولا بد، والشياطين قد مدّت أيديها إليه تمزّقه كل ممزَّق.

2. تعريف العبد بحقيقة نفسه وأنها الخطّاءة الجاهلة، وأن كلّ ما فيها من علم أو عمل أو خير فمن الله منَّ به عليه لا مِن عند نفسه.

3. تعريف العبد سعة حلم الله وكرمه فى ستره عليه، فإن اللهَ لو شاء لعاجله بالعقوبة على الذنب وفضحه بين عباده فلم يصفُ له معهم عيش.

4. تعريف العبد أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته.

5. أن يَعرَى العبد من رداءِ العُجْب بعمله، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: (لو لم تُذنِبوا لذهبَ اللهُ بكُمْ ولجاءَ بقومٍ يُذنبونَ ثمَّ يستغفرونَ فيغفرَ لهُم) (رواه مسلم).

6. أن تكون في القلب أَمراض مزمنة لا يشعر بها صاحبها، فيطلب دواءَها فيَمُنُّ عليه اللطيف الخبير، ويقضي عليه بذنب ظاهر حتى يقف بالألم على عِلّة مرضه، فيعالجه بعلاج الذنوب حتى تزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها.

• حراسة الخواطر وعدم الاسترسال مع حديث النفس:

أصل الفساد كله يجيء من قِبَلِها؛ لأنها هي بَذْر الشيطان في أَرض القلب، فإذا تمكَّن بذرها تعاهدها الشيطان بسقياه مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأَعمال.

ولا ريب أن دفع الخواطر أَيسر من دفع الإِرادات والعزائم، فيجد العبد نفسه عاجزاً أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المُفرِّط إذا لم يدفعها وهي خاطر ضعيف، كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطب يابس، فلمّا تمكنت منه عجز عن إطفائها.

• الطريق إلى الله واحدة وإن تعددت السبل:

والطريق إلى الله فى الحقيقة واحد لا تعدد فيه، وهو صراطه المستقيم الذي نصبه موصلاً لمن سلكه إليه، قال الله تعالى: {وأَنَّ هذا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُل} [الأنعام:153].

وأما ما يقع فى كلام بعض العلماء أَن الطريق إلى الله متعددة متنوعة جعلها الله كذلك لتنوع الاستعدادات واختلافها؛ رحمة منه وفضلاً، فهو صحيح كذلك. ذلك أن الطريق إلى الله مصطلح جامع لكل ما يرضى الله، وما يرضيه تعالى متعدد متنوع. فجميع ما يرضيه طريق واحد، ومراضيه متعددة متنوعة بحسب الأَزمان والأَماكن والأَشخاص والأَحوال، وكلها طرق مرضاته.

وتعدد مراضيه تعالى من عظيم رحمته ولطفه بعباده؛ لاختلاف استعداداتهم وقوابلهم، ولو جعلها نوعاً واحداً مع اختلاف الأَذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها إلا النزر اليسير. ولكن لمّا اختلفت الاستعدادات تنوعت الطرق؛ ليسلك كل امرئ إلى ربه طريقاً يقتضيها استعداده وقوته وقبوله.

• الحزن ليس مما يتعبّد به لله:

يعرّف ابن القيم الحزنَ على أنه من عوارض الطريق، وليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين. ولهذا لم يأْمر الله به فى موضع قط ولا أَثنى عليه، ولا رتَّب عليه جزاء ولا ثواباً، بل نهى عنه فى غير موضع كقوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وقال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِى ضِيقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127].

فالحزن هو بلية من البلايا التى نسأَل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحزَن} [فاطر:34]، فحمده على أن أذهب عنهم تلك البلية ونجاهم منها. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحزن مما يستعاذ منه. وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة ، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10]، فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره.

وأمّا المحمود في الحزن فهو سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورّطه في مخالفته ومعصيه وضياع أيامه وأوقاته. وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه وعلى حياته، حيث شُغِل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتاً لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم، فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكن الحزن وحده لا يجدي فإنه يضعفه كما تقدم. بل الذى ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر، ويبذل جهده في التدارك.

فهذه المراتب من الحزن لا بد منها فى الطريق ولكن العاقل من لا يدعها تتملكه وتُقعِده، بل يجعل فكره فيما يدفعها به؛ فإن المكروه إذا ورد على نفس صغيرة اشتغلت بفكرها فيه عن الفكرة في الأسباب التي يدفعها به فأَورثها الحزن. وإن كانت نفساً كبيرة شريفة لم تفكر فيه، بل تصرف فكرها إلى ما ينفعها، فإن علمت منه مخرجاً فكرت فى طريق ذلك المخرج وأسبابه، وإن علمت أنه لا مخرج منه، فكرت فى عبودية الله فيه. وكان ذلك عوضاً لها من الحزن، فعلى كل حال لا فائدة لها فى الحزن أصلاً، والله أعلم.

بطاقة الكتاب

العنوان: طريق الهجرتين وباب السعادتين
المؤلف: ابن قيم الجوزية
مكان النشر: مكة المكرمة
دار النشر: دار عالم الفوائد
عدد الصفحات: 1116

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …