ورد اسم الله الرزاق على هيئة صيغة المبالغة في كتاب الله تعالى، أي "الرزّاق"، وليس "الرازق"، و معنى اسم الله الرزّاق أنه يرزق العباد جميعاً -مهما كثر عددهم- في وقت واحد، ويرزق الفرد الواحد رزقاً كثيراً وفيراً لا حدود له.
أي أنه يرزق الرزق الوفير على مستوى عدد المرزوقين، وعلى مستوى كمية الرزق، وليس هذا فقط، بل إن الله يرزق كافة المخلوقات، سواء سألت الرزق أم لم تسأله ، وقد جاء اسم الله الرزاق في كتاب الله على هيئة الفعل المضارع في قوله تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} [العنكبوت:60].
والرزق في اللغة: هو كل ما قسم لك، فهو خالق الأرزاق، والمتكفل بها وبإيصالها، كلٌ يأخذ نصيبه من رزقه، والرازق يمكن أن يعطي البعض ويمنع الآخر، أما الرزّاق فهو يعطي الجميع على السواء.
إذن، فبمقتضى اسم الله الرزاق، فقد طمأننا الله تعالى بأنه تكفل لنا بأرزاقنا، وأمرنا في ذات الوقت بأن لا نشغل أنفسنا بما كفله لنا، وإنما ننشغل بأمور الآخرة التي إليها معادنا ، وقال جل شأنه في الحديث القدسي: "عبدي، خلقت السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ولك علي رزق، فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك".
ويقول الله عز وجل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"[هود: 6]، هذه الآية ضمنت الأرزاق لكل المخلوقات، ضمنها الله تعالى لكافة خلقه.
أنواع الرزق:
لقد خلق الله عز وجل الإنسان من عنصرين: أحدهما من الأرض، والآخر من السماء، خلق الجسد من طين الأرض، ولذلك هو يبتغي غذائه من الأرض من طعام وشراب وكساء وزاوج، وخلق الروح من نفخة منه سبحانه، ولذلك تبحث الروح عن مقومات استمرارها من السماء من دينه سبحانه، أو ركعتين في جوف الليل، أو دمعة خشية لله، أو دعاء يقرّبك منه!
ويقول بعض العلماء: "الرزّاق هو الذي خص الأغنياء بوجود الرزق، وخص الفقراء المؤمنين بشهود الرزاق". وهذا هو الرزق الذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ) (رواه البخاري ومسلم).
هناك نظرية رائعة معناها: لو جمعت كل شيء أعطاك الله إياه، وجمع كل واحد منا كذلك، سواء فقير كان أم غني، لوجدنا أن المجموع متساوٍ عند الجميع
وهناك نظرية رائعة معناها: لو جمعت كل شيء أعطاك الله إياه، وجمع كل واحد منا كذلك، سواء فقير كان أم غني، لوجدنا أن المجموع متساوٍ عند الجميع، فإذا كان قد أخذ منك سعة العيش، فقد أعطاك القناعة والرضا، وإذا أغرقه في النعيم المادي، أخذ منه حلاوة المناجاة، وإذا أعطاه وفرة المال، فقد أخذ منه نعمة الولد، وإذا حرمك المنصب الكبير، عوّضك بالصحة والعافية، وهكذا، إذن فهؤلاء الذين يحسبون أن الله عز وجل لم يعطهم شيئاً، أو أنه فضّل غيرهم عليهم، أو أننا نجد أحياناً من أصحاب المعاصي والذنوب من هم أوفر حظاً في الأرزاق، ونجد المؤمنين الأتقياء وقد ضيقت عليهم أرزاقهم!
جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: من أين تأكل؟
فقال: من خزائنه.
فقال الرجل: أيلقي الله عليك الخبز من السماء، فما هذا الكلام!
قال: لو لم تكن الأرض له لألقى علي من السماء الخبز يرزقني من الأرض.
وهذا هو اليقين في الرزاق، وهو من أسمى أنواع الرزق.
قال أحدهم: دخلت على داوود الطائي، فرأيته منبسطاً، وكنت إذا دخلت عليه أراه منقبضاً، فقلت: أي شيء حالك؟ فقال: سقاني البارحة شراب أنسه، فأردت أن أجعل اليوم عيداً.
وهكذا يمكن أن يأتي عليك يوم ويمن الله عليك بطاعة من الطاعات، أقمت الليلة بين يدي الله، أو أخرجت صدقة مخفية، وشعرت أن الله عز وجل تقبّلها، فهذا رزق، وأي رزق، بل إن العاقل لا يبدله بأموال الدنيا!
يقول الإمام شمس الدين أبو عبد الله ابن قيم الجوزية في كتاب "الفوائد": "ما دام الأجل باقياً، كان الرزق آتياً ".
أسباب زيادة الرزق أو نقصانه:
1 ـ الطاعة، فرغم أن الرزق مقدَّر، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، إلا أن الله عز وجل جعل لذلك أسباباً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) (رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما)، وقال عز وجل: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءاً غدقاً}[الجن:6]، وقال عز وجل أيضاً: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما يكسبون} [الأعراف: 96].
2 ـ بر الوالدين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سّره أن يمد له في عمره، ويزاد له في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه) (رواه أحمد).
3 ـ صلة الأرحام، فمن وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، وقطيعة الأرحام من الإفساد في الأرض، والله لا يصلح عمل المفسدين، {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد:22]، فمن أراد أن يكون له في رزقه سعة، فليصل رحمه.
ماذا نتعلم من اسم الله الرزاق؟
قلنا إن الله عز وجل قد تكفل لعباده بالأرزاق، فهل معنى ذلك أن نعتكف في بيوتنا، ونكسل بحجة أن أرزاقنا مكفولة؟ إن الله لا يرضى منّا بغير السعي والجهد، وإعمار الأرض والبحث في مناكبها، وإصلاحها، فلا يصح أن يكون المسلم في ذيل قائمة الحياة، ويترك الدنيا للكافرين، فالفلاح يذهب إلى حقله كل يوم، والطالب إلى مدرسته، والعالم إلى معمله.
إن الله لا يرضى منّا بغير السعي والجهد، وإعمار الأرض والبحث في مناكبها، وإصلاحها، فلا يصح أن يكون المسلم في ذيل قائمة الحياة، ويترك الدنيا للكافرين
ولا يمنعك طلب الرزق من أن تقول كلمة الحق، فإن الدنيا ولو اجتمعت لن تستطيع أن تمنحك رزقاً، أو تمنعكه إلا بإذن الله، فالذي يريده منا الرزاق:
1 ـ أن لا تأكل الحرام يقول الله عز وجل: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً} [طه، الآية: 124]. ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) (رواه البيهقي)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر مأكله حرام وملبسه حرام يقول يارب يارب فأنى يستجاب لذلك) (رواه مسلم).
2 ـ أن ترفع عما في أيدي الناس، كن عزيزاً في طلب رزقك فهو ليس ملكاً لأحد وليس منة من أحد .
3 ـ السعي والعمل الجاد، ولنا في السيدة هاجر أسوة حسنة فها هي المؤمنة المتوكلة على الله الموقنة في رزقه والتي تعلم علم اليقين بأنه عز وجل لن يضيعها أبداً تسعى مهرولة بين الصفا والمروة مهرولة هنا وهناك، تسعى جاهدة باحثة لرضيعها إسماعيل عن طعام يشبعه ليصير منسكاً يتعبد به المسلمون على مدار الزمان في فريضة الحج.