تقع مدينة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، كان عدد سكانها قبل الثورة السورية 2 مليون نسمة يدينون بالإسلام ليصل عدد سكانها الآن 400 ألف نسمة يعيشون في حالة حصار تام بغير غذاء أو دواء منذ العام 2013م، بينما أهلها ما زالوا يتناقصون بسبب الجوع والمرض.
ورد اسم الغوطة الشرقية في الحديث النبوي ليشرّف تلك المدينة ويخلد ذكراها، ويلفت الانتباه لقدسيتها وفضل أهلها.
فعن أبي الدَّرداء أن رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "إن فُسْطَاطَ المسلمينَ يومَ المَلحَمَةِ بالغوطةِ. إلى جانب مدينةٍ، يقال لها: دمشقُ مِن خيرِ مدائن الشام" (صححه الألباني).
ومنذ أيام تتعرض الغوطة الشرقية بسوريا لحالة من الإبادة غير المسبوقة، ففي ثلاثة أيام فقط يصل عدد الشهداء من المدنيين العزل إلى ثلاثمئة ممن لا ذنب لهم!
وربع هذا العدد من الأطفال هذا غير النساء والشيوخ والأسر التي تباد بأكملها، ناهيك عن آلاف المصابين بلا مأوى أو مشفى ينقذهم من آلامهم!
لا تتوقف السماء عن إمطار الموت فوق رؤوس البشر بعدما اتفقت إرادة مجرمي النظام السوري وإيران والإجرام الشيوعي الذي يتنصل من الجريمة بينما هو غارق في الدماء السورية.
لا فرق إنقاذ تستطيع أن تواجه أو تقدم دعماً بينما القصف من كل مكان، جثامين الأطفال تتراص لتصير مجرد أعداد تتلقفها وسائل الإعلام، بيانات المنظمات الحقوقية العالمية لا تستطيع أن توقف الرصاص القاتل والبراميل الحارقة والأسلحة المحرمة دولياً والتي تحرق كل ما في سبيلها من أحياء وحتى الجدران التي تحميهم لتبيد إبادة تامة فلا يتبقى من آثار المدينة شيء.
استغاثات الأطفال تتعالى بغير مجيب، دعوات النساء في الشوارع ولا أحد يسمع، دموع الرجال العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم فضلاً عن ذويهم توجع كل صاحب ضمير حي.
وأمام تلك الجريمة الدولية التي لا يحتملها عقل تصدر الأمم المتحدة يونيسيف بياناً لا يرتقي لحجم المؤامرة البشعة فيستهل البيان في أوله جملة: "لا كلمات يمكن أن تحقق العدالة للأطفال الذين قُتلوا، ولا لأمهاتهم، ولا لآبائهم أو محبيهم"، ووضعت هامشاً له كتبت فيه: "يونيسف تصدر هذا البيان الفارغ. لم تعد لدينا كلمات لوصف معاناة الأطفال ولوصف غضبنا. هل لا تزال لدى المتسببين بهذه المعاناة كلمات لتبرير أعمالهم الوحشية؟".
وتتصدر القوات الروسية المرتزقة تلك الحملة إلى جانب النظام السوري المجرم لإبادة تلك البقعة السنية في أمل لإحداث نوع من التغيير الديموغرافي كما حدث في حلب وحمص وغيرها من قبل، وفي ظل حالة من الصمت العربي والإسلامي المخيف، بينما من يتحرك ويشجب ويستنكر حتى الآن هي الدول الغربية وكأن هناك تواطؤ متعمد من العرب على تلك البلاد، أو كأن جرائم الأنظمة العربية تنعكس على بعضها البعض فلا يجرؤ نظام على الاعتراض؛ نظراً لما يمثله في بلاده من الاستبداد وقتل الأبرياء ومطاردة الأحرار.
لماذا الغوطة دون غيرها؟
أولى النظام السوري بعض المناطق اهتماماً دون غيرها في تلك الحرب الدائرة والغير متكافئة بحال من الأحوال؛ وذلك لخصوصية تلك المناطق. فدفع بأكثر من 60% من قواته إلى منطقة الغوطة وحدها مستخدماً فيها كافة الأساليب المحرمة دولياً من تصفية وإعدامات ميدانية وقتل للأطفال بدم بارد، وللغوطة خصوصية بالنسبة للنظام نذكر بعضها:
1- تقع الغوطة امتداداً على منطقة واسعة، منها عشرات المدن والقرى المترابطة والمتواصلة ببعضها البعض تتخللها سهول ممتدة ومياه لتكون بها من أخصب بلاد الأرض المعروفة، غير أنها تكاد تحيط إحاطة كاملة بالعاصمة السورية دمشق وتلتحم بها في نقاط كثيرة مما يعني أنها بوابة العاصمة ومن تكون له السيطرة عليها ويتحكم بها فهو يتمتع كذلك بالسيطرة الكاملة على العاصمة.
تعتبر الغوطة بوابة العاصمة السورية ومن تكون له السيطرة عليها ويتحكم بها فهو يكون مسيطراً على العاصمة بالكامل
2- يقاس مستقبل الأمم ومدى احتمال حفاظها على حيويتها بعدد أطفالها وشبابها ما بين العاشرة والثلاثين عاماً، وفي الغوطة تمثل نسبة الأطفال والشباب النسبة الأكبر في عدد السكان، مما يمثل ثروة بشرية خطيرة على مستقبل النظام الإجرامي، فتكون المعركة للتخلص من معظم هذا العدد بالقصف العشوائي المخيف.
3- تنتشر في منطقة الغوطة المساجد وحلقات العلم ومكاتب تحفيظ القرآن، واستطاعت أن تحافظ على هويتها وتتمسك بها بشدة لتظل منيعة على محاولات الإفساد والاجتياح رغم محاولات السيطرة عليها من النظام السوري قبل الثورة لإفساد تلك الحالة كشأن معظم بقاع بلاد العرب، لتظل تلك المنطقة شوكة في حلق النظام ليضعها ضمن مخططاته لإبادة كل مكان يمثل كثرة سنية لتغييره ديموغرافيا فتتغير بالتالي هوية المنطقة ويتم السيطرة على خيراتها وتجنب مقاومتها مهما كان الثمن المدفوع حتى لو قتل شعب بأكمله.
4 ـــ كما مر بنا الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فإن هذه المنطقة مباركة، ومبارك ما فيها، فتمثل ما يزيد عن نسبة 80% من احتياجات العاصمة زراعياً وحيوانياً، هذا غير المصانع والمعامل التي تغطي احتياجات دمشق بكل احتياجاتها، وبما أن تلك المنطقة تمثل امتداداً للعاصمة فالخروج عن سيطرتها هو تهديد للعاصمة ذاتها، فكان يجب من وجهة النظر الإجرامية القضاء عليها قبل أن تضغط هي على النظام وتتسبب في القضاء عليه إن هي تمكنت منه.
وما يحزن له المسلم اليوم أن تحدث كل تلك الانتهاكات الإنسانية على عينه دون أن يستطيع إلا أن يقف عاجزاً أمامها، متعجباً كيف يسكت العالم عليها دون أي محاولة جدية لإيقافها؟
كيف هان المسلمون على أنفسهم لهذه الدرجة أن يصيروا مرتعاً لكل طامع، وهدفاً سهلاً لكل من يفكر؟
في النهاية نسأل الله السلامة والنصرة، وأن ينصر إخواننا في جميع المناطق السورية، وأن يثبتهم ويغير حالنا لما هو أفضل.