أنت على الهواء مباشرة عبر أثير قريب غير بعيد واضح يكشف الظاهر والباطن يفضح القلب والجوارح ومكنونات النفوس يسطر الحسن والقبيح دون تجمل ولا مواربة (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا)
أنت على الهواء مع العليم الخبير جل في علاه (إنه يعلم الجهر وما يخفى)
يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها; ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)
أنت على الهواء وتحت المنظار الحاسب والمعدد والمحصي والمعظم لمثقال الذر من حبة الخردل وذرة الخير والشر (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: (قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) قال: أتدرون ما أخبارها قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإن أخبارها يوم تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
فحاسبوا أنفسكم في الرخاء قبل حساب الشدة وأعظمها يوم البعث والنشور والسؤال تنسى ما قدمت يداك وقد سطرت خطاياك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد) (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).
فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).