الإخوان المسلمون وتسعون عاماً على التأسيس وعبقرية المؤسس

الرئيسية » بصائر الفكر » الإخوان المسلمون وتسعون عاماً على التأسيس وعبقرية المؤسس
hasan albanna 2

ما يقارب التسعين عاماً على تأسيس الإمام البنا رحمه الله لجماعة الإخوان المسلمين، الذي أبى إلا أن يكون مثالاً لكل تلاميذه وأتباعه في منهجه وحركته، فقد ضحى الرجل بحياته من أجل ما يؤمن به ويدعو إليه، ولم تكن عبارته التي نادى بها كثيراً في شعاره الذي طالما ردده وردده الآلاف من ورائه (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، لم تكن هذه العبارة مجرد شعار أو جملة تخرج من فيهه إلى هواء مطلق وليس لها ما يسندها من واقع الرجل وقناعته، بل كانت الكلمة كلمة صدق تمثلت فيه طوال حياته حتى أبى في النهاية إلا أن ينهي حياته بها وعليها، ليحقق بذلك تلك المعادلة التي وضعها من بعده تلميذه سيد قطب الذي قال (كلماتنا تبقى عرائس من شمع فإذا متنا من أجلها دبت فيها الحياة)، هكذا ماتا معا _الأستاذ والتلميذ_ من أجل كلماتهما، وفي سبيلها وعلى نهجها.

تأتي ذكرى نشأة الجماعة لتحركنا ناحية تذكّر هذا الرجل المؤسس وتذكّر تراثه وعمله من أجل هذا الدين وهذه الدعوة، إنّ الإمام البنا لهو بحق في أنظارنا جميعاً وفي أنظار جل العلماء والقادة الإسلاميين من بعده (مجدد الإسلام في القرن الماضي)، وهذا ما رأيناه جميعاً وما شهدنا به، والله من وراء ذلك يعلم ما لا نعلم ويحكم بالحق والعدل، لكننا بتمثل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يؤكد على أن الناس هم شهداء الله في أرضه، وأن من يثني عليه الناس بالخير فهو أقرب إليه ومن يثنون عليه بالشر فهو محسوب عليه، فإننا نقول مطمئنين إلى شهادة قادتنا وعلمائنا أن الإمام البنا هو (مجدد الإسلام في زمانه) بلا منازع.

إنّ الإمام البنا لهو بحق في أنظارنا جميعاً وفي أنظار جل العلماء والقادة الإسلاميين من بعده (مجدد الإسلام في القرن الماضي)

ومن ينافس الإمام البنا رحمه في ذلك!، وهو الذي لا نبالغ إذا قلنا أنه قد أُلهم في كل ما فعله، وفي ذلك ينطبق عليه ما وصفه به الأستاذ عمر التلمساني عندما أراد أن يكتب عنه، فقد عنون كتابه بقوله (الملهم الموهوب حسن البنا)، فلقد كان الإمام البنا رحمه الله إلى جانب كونه موهوباً منحه الله عبقرية وبصيرة، ملهماً مؤيداً من الله سبحانه وتعالى فيما ذهب إليه وعمل به، وكيف لا يلهم الله عبداً قام يعيد دينه وشريعته إلى واقع الناس، وأوقف كل حياته وعمله ووقته من أجل ذلك، وكيف لا يؤيده الله!

إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجه الصحابي الكريم الذي أراد الشهادة ومنزلتها وقال له (اصدق الله يصدقك)، وغدا هذا قانوناً شرعياً من قوانين دين الله الثابتة في كل زمان ومكان (من يصدق الله يصدقه)، وهذا هو الذي كان من الإمام البنا رحمه الله، فقد صدق الله فصدقه الله.

وإننا عندما نقول إن الإمام البنا رحمه الله هو المجدد العبقري في زمانه بلا منازع، فإننا لا بد أن نحاول تحديد بعض أوجه هذا التجديد وهذه العبقرية حتى لا يكون كلامنا مجرد عبارات جوفاء وإنشاء فارغ وادعاء كاذب.

أولاً: البناء والتنظيم

فعلى القاعدة التي اتفقنا عليها، وهي أن الإمام البنا كان من الملهمين المؤيدين من الله، فإنه رحمه الله قد أُلهم فكرة العمل الجماعي المنظم، وكما قلنا سابقاً: فإن الإمام البنا رحمه الله هو من ابتدع هذا الأمر في واقع الإسلام والأمة الإسلامية، وكل المحاولات التي سبقته بقيت محاولات مجتزأة ناقصة، لم يكتب لها النجاح والتمام مثلما كتب لتجربة الإمام عليه رحمة الله.
وقد أدرك الإمام البنا رحمه الله مبكراً أن الإسلام لم يُهزم ولم يُنح عن دنيا الناس إلا بعمل جماعي منظم من أعدائه، فيه توزيع للأدوار ومراعاة للمراحل، وبالتالي فلن يعود الإسلام حاكماً عزيزاً مرة أخرى إلا بمثل ما هزم به.

أدرك الإمام البنا رحمه الله مبكراً أن الإسلام لم يُهزم ولم يُنح عن دنيا الناس إلا بعمل جماعي منظم من أعدائه، فيه توزيع للأدوار ومراعاة للمراحل، وبالتالي فلن يعود الإسلام حاكماً عزيزاً مرة أخرى إلا بمثل ما هزم به

ثانياً: عالمية دعوته وتنظيمه

أدرك الإمام البنا أيضا منذ الوهلة الأولى _ وألهم في ذلك أيضاً _ أن البعد العالمي للإسلام بعد أصيل ثابت، وبالتالي فإن هذا البعد لا بد أن يكون أساسياً في الدعوة إليه، وكذلك في الجماعة التي ستحمل عبء هذه الدعوة وتتحرك بها، ولذلك فقد حرص الإمام البنا منذ بداية دعوته على إنشاء فروع لجماعته في كل الربوع التي يستطيع إليها وصولاً، وقد وفّق في ذلك في أماكن، وأكمل تلامذته وأتباعه إكمال هذا البعد من بعده، حتى أتم الله على أيديهم الأمر وأصبحت دعوة الإمام البنا موجودة في كل ربوع البلاد العربية والإسلامية، وفي كثير من البلاد الأخرى غيرها، وبذلك غدت تلك الجماعة التي أنشأها الإمام جماعة عالمية تنتظم كل فروعها في كل أنحاء العالم في تنظيم واحد ينسق فيما بينه ويراعي كل الأبعاد ويستعد لذلك اليوم الموعود الذي تتحول فيه هذه الجماعية الحركية إلى جماعية شعوبية في كيان واحد ودولة واحدة (دولة الخلافة).

ثالثاً: انشغاله بتأليف الرجال عن تأليف الكتب

الإمام البنا رحمه الله لا نجد له منتجاً فكرياً إلا ما ندر، وبالحصر تقريبا نجد له (الرسائل ومذكرات الدعوة والداعية وبعض المقالات في مجلات الإخوان وبعض الرسائل إلى القادة والزعماء)، هذا تقريباً هو كل ما خلفه الإمام البنا من منتجه الفكري والثقافي. ويروى في ذلك أن أباه الأستاذ العالم عبد الرحمن الساعاتي قد طلب منه أن يهتم بتأليف الكتب والمؤلفات، فقد كان الشيخ عبد الرحمن الساعاتي عالماً مؤلفاً، أعاد ترتيب وشرح مسند الإمام أحمد وأسماه (الفتح الرباني) لكن الإمام البنا رحمه الله قال لوالده (أنا يا أبي أؤلف رجالاً ولا أؤلف كتباً)، وهكذا رحمه الله قد أدرك متطلبات لحظته وزمانه، فقد عمل على تأليف الرجال حتى يكونوا بعد ذلك كتباً ومراجع تسير على قدمين وتنشر العلم والدين في ربوع الأرض كلها.

رابعاً: كاريزمية الرجل وتأثيره

الإمام البنا رحمه الله أوتي كاريزما شخصية مذهلة، أجمع كل من عايشه أنها منحة مقصودة من الله له لإتمام رسالته ودعوته، ولذلك فنحن لا نجانب الصواب إذا قلنا أنه على مر التاريخ الإسلامي من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم قلما نجد هذا التأثير السحري من أستاذ في تلاميذه مثلما وجدنا في قصة الإمام البنا مع تلاميذه وأتباعه.

الإمام البنا رحمه الله أوتي كاريزما شخصية مذهلة، أجمع كل من عايشه أنها منحة مقصودة من الله له لإتمام رسالته ودعوته

خامساً: شمول فكرته ودعوته

دعا الإمام البنا من البداية إلى الإسلام الشامل الذي يحكم في كل صغيرة وكبيرة، ويوجه كل حركة وسكنة، وبرغم أنها دعوة سابقة عليه، وبرغم أنها دعوة لم تغب عن الأمة يوماً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان لها دائماً دعاتها ورجالها، إلا أن صرخة الإمام البنا بهذه الشمولية في ذلك التوقيت كان لها أثر ودوي، لم يتوفر لغيرها من الدعوات الأخرى، وهذه الصرخة والدعوة من الإمام البنا بشمولية المنهج الإسلامي هي التي تتردد إلى الآن في كل أرجاء أمتنا العربية والإسلامية، وكل الأصوات غيرها إما أنه صدى لها أو ردة فعل عليها.

الصرخة والدعوة من الإمام البنا بشمولية المنهج الإسلامي هي التي تتردد إلى الآن في كل أرجاء أمتنا العربية والإسلامية، وكل الأصوات غيرها إما أنه صدى لها أو ردة فعل عليها

سادساً: الطرح السياسي لدعوته

الإمام البنا رحمه الله نادى بالإسلام الشامل لكل مناحي الحياة، ومن أهم هذه المناحي المنحى السياسي الذي كان ركيزة أساسية في دعوة الإمام البنا رحمه الله، فشريعة الإسلام الحاكمة ووجوب تطبيقها على الحاكم والمحكومين كانت من أهم ما نادى به الإمام، وكان البنا في ذلك من أهم من نادى بذلك في عصره، وبقيت حركته الأهم على الإطلاق في هذا الشأن إلى يومنا هذا، وكذلك دعوة الإمام البنا من أجل عودة الخلافة الإسلامية الحاكمة والمحكومة بمنهج الله كان هو منتهى الغايات الدنيوية عند الإمام البنا، وهنا نسجل له ولدعوته أنهما أحييا هذا التوجه وهذه الرسالة في نفوس الأمة كلها، وأنه ودعوته قد جعلوه حديثاً دائماً على ألسنة الأمة بل ورغبة جامحة لأغلبية رجالها ونسائها.

هكذا كان الإمام البنا رحمه الله إماماً مجدداً عبقرياً ملهماً موهوباً قيضه الله لدينه في فترة من أعصب فتراته على الإطلاق ليجدده ويعيد له بريقه ولآلئه.

رحمه الله رحة واسعة وتقبل منه شهادته وجعله في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …