على الرغم من أهمية العبادات البدنية إلا أن عبادات القلب قد تكون أكثر أثرًا، وهذا ما يجده من كان قلبه موصولًا بالله عز وجل، فكان يسعى لنيل الأجر بالموازنة بين العبادات القلبية والبدنية، دون إهمال أو تغليب لإحداهما على الأخرى.
وتُعدّ العبادات القلبية من أهم العبادات التي يُطالب بها المسلم، وهي تلك العبادات المتعلقة بالقلب والتي تعكس مدى ارتباط المسلم بربه، ومن أبرزها الإخلاص، والتقوى، والتوكل والخوف والرجاء من الله.
الدكتور والداعية صلاح فرج أستاذ الفقه المساعد بكلية الشريعة والقانون الجامعة الإسلامية قال: إن "العبادات القلبية هي أمور عبادية تتعلق بالقلب، ولها أثر على سلوك الإنسان في حياته، الأمر الذي ينعكس تلقائيًا على المجتمع".
وأشار في حديث مع "بصائر" إلى أن "للقلب فضائل متعددة، فالتكاليف الشرعية التي أمر بها الله تعالى هي في القلب، كما أنه مهم جداً لتمييز المؤمن من غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأفعالكم)".
وأضاف: "صلاح القلب يؤدي إلى صلاح الفرد، وهذا يعني صلاح المجتمع، موضحا أن صلاح القلب ينقسم إلى نوعين، أولهما الصلاح المادي والجسدي، والثاني هو الصلاح المعنوي، أي صلاح النفس لتقوم بالمهام التي دعا إليها الله تعالى.
والعبادات القلبية متعددة، منها الإخلاص والتوكل، والخوف والرجاء والتوبة، وهذه أبرز العبادات القلبية التي تختلف عن العبادات التي تتعلق بالجسد من الأفعال الظاهرة كالصلاة والزكاة والحج أو العبادات القولية كالذكر والتسبيح.
وللعبادات القلبية واردات على القلب يحرم على الإنسان أن يرتكبها كالكفر، وارتكاب الكبائر وصغائر الذنوب، بالإضافة إلى وجود واردات على القلب في انشغاله عما أمر به الله تعالى وهذه تكون في التعلق بالدنيا الزائد".
وقال فرج: "يعيش المسلم تذبذب درجات الإيمان بين القوة والضعف وفق هذه العبادات، فكلما زادت العبادات القلبية كالإخلاص والتوبة من الذنوب فإن المنسوب الإيماني يرتفع عند الإنسان، وبالتالي يصلح حاله وحال المجتمع".
وأشار إلى وجود عوامل تحيي قلب المسلم، من أهمها ذكر الله تعالى، ففي الذكر إحياءٌ لقلب المسلم، بالإضافة إلى زيارة القبور لاتخاذ الموعظة الحسنة، ورفقة الصالحين والبعد عن أصحاب السوء.
ولكي يبقى القلب معلقًا بالله ويخلص العبادة البدنية والقلبية لربه، على هذا القلب أن يبتعد عما يفسده، ومن هذه المفسدات شغل القلب بغير الله وتعلقه بالغير، وكثرة التخالط مع الناس وإضاعة الوقت، بالإضافة إلى كثرة تناول الطعام والشراب والنوم" وفق الدكتور فرج.
من جهته قال الشيخ والداعية صقر أبو هين: إن الإنسان يتكون من جسد وروح، وعليه توجد عبادات قلبية وأخرى جسدية، وكذلك يوجد الاثنان معًا.
وأضاف أبو هين في حديث لـ"بصائر": "العبادات الجسدية تتمثل في الصلاة وإماطة الأذى عن الطريق وما نحوها من العبادات التي تعتمد على الجسد عند تأديتها.
وأوضح أن هناك أيضًا عبادات قلبية فقط، مثل الرضا بقضاء الله تعالى، بعد بذل المجهود والسعي والأخذ بالأسباب، مشيرا إلى أن الرضا يكون بكل ما يأتي من عند الله سبحانه وتعالى، كما يُقال الرضا بالموجود بعد بذل المجهود، وكذلك من العبادات القلبية أيضًا التسامح لوجه الله تعالى، مشيرًا إلى أنه يجب الأخذ بالاعتبار أنه توجد أيضًا معاصٍ قلبية، مثل الكبر، فيجب أن نسعى ونجتهد بالعبادات القلبية.
و العبادة القلبية للمؤمن أهم وأعظم من العبادات البدنية ومنها الإيمان بالآخرة، وتهيئة القلب للاستعداد لها، بحيث لا يعمل المسلم أي عمل إلا وينوي به الآخرة.
وتساءل الشيخ أبو هين في هذا الصدد: “من منا استشعر أنه يطيع الله، وهو يقوم بإحضار احتياجات المنزل من غذاء وملبس وأثاث وغيره؟ لأن الله أمره بالنفقة على أبنائه، ومن منا استشعر أن يجعل النوم والأكل لله لأنهما يعينان الإنسان على تحقيق الغاية التي خُلِق من أجلها وهي عبادة الله وطاعته؟”.
ومن الأمور لإصلاح القلب أن يكون خوفك من الله وحده، والخشية والخوف من الله نحتاج إلى مراجعة حياتنا من جديد وتغيير هذه الحياة، بالإضافة إلى الرجاء، فقلوبنا لم تتعلق بالله حق التعلق، و التوكل، فكل منا يعجب بما يمتلكه من شهادات وأموال، ونسي أنها منح من الله، وإذا نظرت إلى الخلق فانظر إلى الجميع على أنهم أحسن منك.
واستدل في معايير التقوى بقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أولئك الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
ودعا إلى إعادة صياغة قلوبنا ومقاصدنا ونياتنا، واختبار درجة الكبر في نفوسنا وهو: "بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس" هل نجحد ونرد الحق أو نحتقر الآخرين، وننتقصهم، وذلك كحال من يترفّعون على عمَّال النظافة متناسين بأنهم مثلنا، وبأن الله قادر أن يجعلنا مكانهم.