لا شك أن سعي كل عدو لديننا الحنيف يكمن في إفساد قوته، وثروته، وعزته المتمثلة في الشباب، وأعظم هذه الحروب هو الغزو الفكري؛ لأن المستهدف هنا: العقول، فهو كغارة فكرية شديدة التأثير، متعددة الوسائل والأهداف، وفي نفس الوقت بتواطؤ بعض الكارهين لنهضة الأوطان والعقول، وتوظيف الشباب في داخل بلادنا العربية، لذلك فالغزو الفكري -تعريفاً دقيقاً- هو:
"التوجيه القائم على دراسات وتجارب فكرية وعلمية، يقوم على مخططات للأعمال الفكرية والتثقيفية والتربوية والتوجيهية، وسائر وسائل التأثير النفسي والخلقي، والتوجيه السلوكي الفردي والاجتماعي التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات الدولية والشعبية من أعداء الإسلام والمسلمين، لمحاولة السيطرة على المسلمين".
ولما كان الغزو الفكري واضحاً في النَّيل من عقول الشباب، وتحويلهم لأداة لا حراك فيها، وأجساد لا قوة فيها، فكان الهدف واحداً و واضحاً، قاله أحدهم: "كأس وغانية، يفعلان بأمة محمد ما لا يفعله الصاروخ والدبابة"، ولذلك فالحرب واضحة علينا ،كشباب الإسلام -عموماً-، ولا مناص من السعي لإبطال هذه السموم، والسؤال الآن: ماهي وسائل هذا الغزو؟
- بث الشبهات حول الإسلام
وهذه النقطة غاية في الخطورة، ومع الأسف، ينبري لها أفراد يسمون أنفسهم بالتنويريين والمفكرين والنقّاد، وكثير منهم من بني جلدتنا، وتفرّد لهم مساحات شاسعة في الإعلام، يتم الطعن من خلالها في الرموز والقيم والعقيدة، والنيل من إسلامنا بشيء من الكيد والتآمر، فتارة يطعنون في شعيرة الأضحية، وتارة يسبُّون الإمام البخاري، وتارة يدعون لحرية البغاء، وجعله واقعاً حياتياً.
- الإعلام
هذه الرسالة التوعوية الأصل، التي من المفترض أن تزيل كل ضباب في العقول، وتنيره بنور الفهم الصحيح المتجرد، تتحول في مجتمع العولمة والعلمنة إلى أداة قوية لبطش العقول وتجريفها وتزييفها عبر رسالتها الخبيثة، وعبر مليارات الدولارات التي تنفق عليها، حتى تحوّل الكثير من أفراد الأسرة أسيراً لها، فما بين الفتاة التي تعشق المسلسلات الهندية، والشاب الذي يجلس كالصنم أمام مباراة أوروبية، والأم التي تدّون وراء المذيعة في برامج الطبخ. فأصبح اللغو واللهو والتزييف والعقول الخاوية على عروشها واقعاً ربما يطول العلاج والدواء منه.
- التعليم
إن التغذية الفكرية في الأصل، تأتي من المحاضن التربوية الرسمية -مدارس وكليات-، لذلك، فما يتم توجيهه للشباب والفتيات يمثل ركيزة في بناء العقل، وكلما كانت المعلومات المرسلة للعقل تتماشى مع ديننا وحياتنا وفطرتنا النقية، كان البناء المنشود لهذا العقل متماسكاً وقوياً، بل ولديه حائط أمان قوي ضد أي انزلاق فكري، أو غزو يستهدف ثوابته وأصوله، لذلك، فَطِنَ كل كاره للدين خطورة هذه النقطة، فأطلق العنان لإعلام الضلال؛ للنيل من ذلك، وكم سمعنا عن حذف الكثير من الآيات في المناهج والأحاديث، واستبدال الأصل بالفرع، ومحوٍ لهوية الشباب، حتى يخرج ذلك الشاب بعد سنوات لا يفقه في حياته أي شيء.
وفي نفس الوقت، يتم النيل من التعليم الأزهري، وعلوم الأصول والفقه بشكل كبير، بل تحويله لعلوم بسيطة جداً، والاكتفاء بالقليل من الفقه، وغالباً ما يكون فقهاً لاعلاقة له بجهاد أو شريعة.
- إشهار الطاعنين
نجد الكثير من الدعاة -أصحاب الفتاوى الشاذة-، يتم تلميعهم، بل يفرضون على المواطنين ساعات طوال في الإعلام؛ ليتحدثوا ويفتوا فتاوى لا يقبلها العقل ولا المنطق، ولكن كل هذا ليس من سبيل الصدف، فالسعي لتحويل الأمة للتيه والانشغال بسفاسف الأمور أمر قائم، حتى لا يخرج مبدعاً أو مفكراً عبقرياً، أو يكتب صاحب قلم صادق.
- تشويه الرموز
والمعنى ليس فقط الدعاة إلى الله، وإعلان الحرب عليهم، وتقديم دعاة طاعنين في الأصول بدعوى التحرر والتجديد، لكن المقصود هو النيل من فكر هؤلاء وآثارهم الطيبة في تربية وتقويم وتصحيح الأفكار المرفوضة، التي تستهدف الدين وشبابه، وليس أدلّ على ذلك من الحرب التي تشن -على مدار الساعة- على المفكرين والإصلاحيين من أبناء الأمة، كالإمام "البنّا"، والمفكر "سيد قطب"، والشيخ "الشعراوي"، برغم أنهم في رحاب الله منذ سنين، إلا أن أثرهم الفكري قائم، ومدارسهم باقية وشامخة برغم قسوة المحن، والسعي لاجتثاث هذه المدارس، بل والرغبة الحثيثة في الاستئصال لكل ما هو إسلامي.
ختاماً، الغزو الفكري حرب ضروس قائمة وقوية، يستخدم فيها الباطل كل سيوفه وأسلحته في الداخل والخارج، ولا حلّ إلا بالفهم والفكر الصحيح للدين والحياة.
ويبقى السؤال: كيف نبطل آثار هذا الغزو الفكري الخبيث؟ هذا ما سنناقشه لاحقاً بإذن الله.