الغوطة هي الحدود المتاخمة للعاصمة السورية دمشق، ويحد دمشق "غوطة غربية" تسيطر عليها الحكومة السورية، و"غوطة شرقية" تحت سيطرة عدد من فصائل المقاومة السورية المسلحة ولكنها تتعرض حالياً لحصار مُحكم منذ مارس عام 2013 م ومن أبرز مدن الغوطة الشرقية هي (دوما -عين ترما- حرستا).
حدد معالم الغوطة محمد كرد "صاحب كتاب غوطة دمشق"، فقال: (كل ما أحاط بدمشق من قرى شجراء، وكان من الأرض المطمئنة التي تروى من نهر بردى، وما اشتق منه من الجداول والأنهار الصغيرة أو القني).
كان القدماء يعدون الغوطة من عجائب الدنيا لأنها عبارة عن غابة من الأشجار المثمرة والبساتين.
أرض الغوطة أرض مباركة حيث ذكر اسمها صراحة في أكثر من 15 حديثاً نبوياً بأنها فسطاط المسلمين يوم الملحمة ولذلك فإن كل هذه المحاولات الإجرامية من النظام السوري ومؤيديه تهدف إلى تأجيل يوم الملحمة الذي يتأكدون من حدوثها لا محالة.
عن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها : دمشق، من خير مدائن الشام" (أخرجه أحمد، وأبو داود، وصحّحه الألباني).
كان عدد سكان الغوطة الشرقية قبل الثورة السورية يقدر بحوالى مليون ونصف المليون مواطن سوري ولكن مع تصاعد الأوضاع وتضييق الحصار وكثرة الضحايا والوفيات وانتشار الأمراض وكثرة عدد النازحين فإن عدد السكان المدنيين يقدر الآن بحوالى نصف مليون مدنى ومازال عدد الضحايا لا يتوقف عن الارتفاع كل لحظة منذ بدء التصعيد بشكل يجعل من الصعب وضع أرقام دقيقة وبشكل لا يمكن وصفه سوى بالإبادة الجماعية الممنهجة تحت مرأى ومسمع الضمير العالمي بكل دوله وهيئاته ومنظماته وكياناته.
الآن جاء دور السؤال الذي يجب أن يتم تسليط الضوء عليه في نقاط محددة ألا وهو "لماذا الغوطة الشرقية تحديداً ؟"
إن هناك عدة أسباب جغرافية وتاريخية وعقائدية واقتصادية وسياسية تجعل الغوطة الشرقية تحديداً مطمعاً للنظام السوري الذي يهدف إلى طمس الهوية وإعادة تشكيل الكتلة السكانية كما يهدف إلى الاستئثار بخيرات البلاد ومقدراتها وقمع كل مظاهر المقاومة في واحدة من أقرب البقاع إلى مركز السلطة في سوريا. ولمزيد من التفصيل أقول:-
1- الغوطة الشرقية تعد سلة الغذاء للعاصمة دمشق وذلك لخصوبة أرضها ولوجود فروع نهر بردى بها مما يؤدي إلى تنوع محاصيلها وخيراتها.
2- الغوطة مصدر للصناعات الخفيفة حيث تنتشر بها المصانع والورش والأيدي العاملة الماهرة والمتميزة.
3- الغوطة منتجع للأثرياء لما تتمتع به من طبيعة خلابة ساحرة ومناخاً معتدلاً عليلاً وبها مجموعة حديثة من المطاعم والفنادق والملاهي.
4- الغوطة مزار للسياح بكل مقاصدهم حيث أن بها من الآثار والمساجد والأضرحة والمزارات التي تعود لعصور قديمة متعددة وبها 15 دير تاريخي أثري ومجموعة من التلال والمواقع الأثرية كما أن بها آثاراً إسلامية وأثاراً من العصر الحجري القديم والوسيط.
5- الغوطة مطمع لرجال الأعمال وأصحاب المشاريع وتجار الأراضي ومواد البناء حيث أن زحف المدينة بعمرانها ومصانعها يوماً بعد يوم يلتهم بساتين الغوطة واحداً بعد آخر مما يهدد سكانها وقد يحولهم من الزراعة إلى غيرها، ولقد نتج عن سرطان التوسع العمراني والصناعي بالغوطة أن تحول جزء كبير من مساحتها إلى مصانع ومساكن الأمر الذي قلل من قيمتها كغطاء أخضر وشوه جمالها.
6- أرض الغوطة تمثل امتداداً للعاصمة دمشق وخروج الغوطة عن سيطرة العاصمة هو تهديد للعاصمة ذاتها وبالتالي تهديداً للنظام نفسه فكان يجب من وجهة النظر الإجرامية القضاء عليها قبل أن تضغط هي على النظام وتتسبب في القضاء عليه إن هي تمكنت منه.
7- منطقة الغوطة الشرقية معروفة بشدة مقاومتها على مدار التاريخ -والاحتلال الفرنسي يشهد بذلك- علاوة على أن طبيعتها الجغرافية وشبكة الأنفاق فيها وتسليح أهلها كل ذلك يجعلها عصية على أي قوة تريد غزوها.
8- نأتي إلى لب القصيد في هذه القضية والسبب الرئيسي لهذه الحملة النكراء في الغوطة من النظام السوري الذي يريد تثبيت أركانه مدعوماً بالقوات الروسية التي تريد أن تحقيق مكسباً سياسياً يحسب لرئيسها قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.
إن مكاسب كلا الفريقين تتركز حول إبادة هذه البقعة السُّنية على أمل إحداث نوع من "التغيير الديموغرافي" وإحداث تغيير للمعادلة السكانية بالغوطة كما حدث في حلب وحمص وغيرها من قبل.
إن ما يحدث في الغوطة الآن خلع عنها ثوب الجمال وألبسها ثياب الأرملة العجوز ولكنها بالرغم من كل ذلك ما زالت يدها على زناد سلاحها مقاومة كل محاولات طمس هويتها وتغيير عقيدتها.
الله نسأل أن ينصر المسلمين في الغوطة وفي كل بقاع سوريا كما نسأله سبحانه أن ينتقم من عدوهم وأن يمزقه كل ممزق إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .