في وقت لم يتوقف الجدل، ولا يبدو أنه سيتوقف قريباً، حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، مع جدل مماثل يتعلق بتدخل في استفتاء «البريكست» في بريطانيا، وعدد من الانتخابات في الدول الأخرى، ها هي الأنباء تتحدث عن قيام قراصنة أجانب، يُرجّح أنهم من روسيا، باختراق شبكة البيانات الحكومية الألمانية التي يفترض أنها مؤمنة.
مؤخراً ذكرت شركة «سيمانتك» الأميركية للأمن المعلوماتي أن مجموعة من قراصنة المعلوماتية، استهدفت شركات أو مؤسسات جديدة بالشرق الأوسط سنة 2017، بهدف التجسس عليها.
وقالت «سيمانتك»، التي تراقب نشاط هذه المجموعة منذ 2015، إن الهجمات التي سعت بشكل خاص إلى «جمع معلومات أو تسهيل مراقبة» أفراد، استهدفت بشكل خاص «مزود خدمات اتصال كبيراً في المنطقة»، وشركة عالمية كبيرة لحجز تذاكر السفر.
وقالت إن الشركات والمؤسسات التسع المستهدفة مقارها في الأردن، والإمارات، والسعودية، وتركيا، وفي الكيان الصهيوني، مضيفة أنها عثرت على أدلة على مهاجمة شركة جوية إفريقية.
ويقول تقرير، صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، بالتعاون مع شركة «مكافي» لبرامج الأمن المعلوماتي، إن الاقتصاد العالمي يتكلف سنوياً نحو 600 مليار دولار، جراء عمليات القرصنة، وهذا الرقم مرشّح للزيادة في السنوات المقبلة، لا سيما في ظل انتشار العملات الرقمية التي أصبحت سوقاً سوداء، وملاذاً لتحويل ما يتم الاستيلاء عليه عبر عمليات الاحتيال.
في مايو من العام الماضي تابع العالم هجمة إلكترونية ضخمة أصابت ما يقرب من 200 ألف جهة في حوالي 150 دولة على مستوى العالم، قبل أن يتمكن شاب بريطاني في الـ22 من العمر، من وقفها.
و تُعد روسيا وكوريا الشمالية والصين وإيران من بين الدول التي ينشط فيها القسم الأكبر من قراصنة المعلوماتية، وفق خبراء غربيين، لكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني يُعد واحداً من أكبر الدول المتقدمة على هذا الصعيد، لكنه يحاذر في الكشف عن نشاطاته في هذا الجانب تحديداً، وإن كشف عما يحققه من عوائد ضخمة من مجال «الهايتيك»، حيث وصف نتنياهو العام الماضي هذا المجال بالقول إنه: «البطة التي تبيض الذهب لإسرائيل؛ ليس على المستوى الاقتصادي فقط، بل على الصعيد الاستراتيجي والدولي»، مضيفاً: «علينا عدم الاكتفاء بمواجهة الهجمات علينا، بل نحن مطالبون بالبحث عن فرص».
منتصف الشهر الماضي، نقلت قناة إسرائيلية عن «تامير باردو»، رئيس جهاز الموساد السابق، قوله إنه يمكن لإسرائيل أن تحقق انتصارات دون إطلاق رصاصة واحدة؛ لأن سلاح «السايبر» يعدّ السلاح النووي الجديد، واستطاع اختراق كل أنظمة الحماية في مختلف دول العالم، محذراً هذه الدول بأنها باتت في مواجهة فوضى أمنية؛ لأن هذه الهجمات الإلكترونية تعدّ التهديد الأكبر على كل دولة ديمقراطية.
وكان «باردو» يتحدث في مؤتمر حول تكنولوجيا المدن الذكية، حيث قال إن أعداء إسرائيل لن يكونوا بحاجة لطائرات أو صواريخ. فقط باستطاعتهم حيازة إمكانيات تكنولوجية وقدرات «سايبرانية» لمهاجمتنا، بحيث تتسبب بإحداث شلل في مجالات العمل كافة في إسرائيل، ودور القيادة الإسرائيلية هو منع تحقق هذا الكابوس.
وأوضح أن القوى المعادية لإسرائيل ليست بحاجة من الآن فصاعداً للحصول على صواريخ لضرب محطات الطاقة والكهرباء الإسرائيلية، فقط بإمكانها التسبب بأضرار كبيرة خلال لحظات زمنية قليلة، من خلال هجوم قوي على الشبكات التقنية التي تقوم بتشغيل هذه المحطات.
وقال إن القنبلة النووية التي اكتشفها العالم قبل سبعين عاماً افتتحت عهداً جديداً بعد الحرب العالمية الثانية، وقبل عشرين عاماً فقط تم افتتاح عهد السايبر، وهو عهد أرخص كثيراً من ناحية الكلفة المادية، ولا يتسبب بسفك الدماء في الشوارع، لكنه قد يتسبب بأضرار خطيرة لكبرى الشركات، وتدمير دول، والانتصار في الحرب دون إطلاق رصاصة واحدة.
مثل هذا الكلام، تكرر مراراً في الأعوام الأخيرة على ألسنة المسؤولين الصهاينة، ما يعكس إدراكاً لحجم التحدي الجديد، مع العمل على إيجاد حلول لمواجهته. وهنا تكمن المأساة، فبينما ينشغل عدونا بالترتيب لكل الاحتمالات، واختراق العوالم الجديدة، واستثمارها ومنع مخاطرها في آن، ينشغل عربنا بقصص الترفيه، والأبراج، والمسابقات السخيفة. والنتيجة أننا لا نربح لا في حرب ولا في سلم، ونظل عالة على الآخرين، بل تحت رحمتهم، ومصدراً للثروات الرخيصة لا أكثر.
إنها مشكلة تحرير الإرادة التي حاولتها شعوبنا في ربيعها، فكانت لها الثورة المضادة بالمرصاد.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- العرب القطرية