تحدثنا بفضل الله تعالى في الجزء الأول من هذا الموضوع عن مكانة المرأة في الحضارات والأديان السابقة للإسلام ورأينا كيف امتهنت كرامة المرأة وأهدرت حقوقها وديست آدميتها إلا في حقب بسيطة وأماكن محدودة لا يمكن القياس عليها ولا الاعتداد بها.
في هذا الجزء سيكون الحديث بفضل الله تعالى عن عِظم المكانة التي رفع الإسلام المرأة إليها وكيف أعاد لها حقوقها وآدميتها وكيف حافظ على كرامتها.
المرأة في ظل الإسلام
لقد اهتمَّ الإسلام بالمرأة أيما اهتمام، ولقد عرض القرآن الكريم الكثير من أحوال المرأة، ونظم أحكامها في أكثر من عشر سور من القرآن الكريم؛ بل إنَّ هناك سورتين في القرآن الكريم عُرفت إحداهما بسورة النساء الكُبرى؛ وهي سورة النساء، والأخرى عرفت بسورة النِّساء الصُّغرى؛ وهي سورة الطلاق.
لقد جاء الإسلام ليرفع مكانةَ المرأة من الثرى إلى الثريا فلم يفرِّق الإسلام بين الرجل والمرأة تفريقًا مُجحفًا يسلبُها حقَّها؛ بل تفريقًا يُميزها، ويُعلي من شأنها، ويتوافق مع فطرتها التي فطرها الله تعالى عليها.
• قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾ [البقرة 228].
• قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران 195].
كذلك السنَّة النبوية زاخرة بالعديد من الأحاديث والمواقف التي تُعلي من قَدر المرأة؛ ابنةً، وزوجة، وأمًّا، وأختًا، وجارة، نذكر منها:-
- عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن كان له ثلاث بنات، فصبَرَ عليهنَّ وأطعمهنَّ وسقاهن وكساهن من جِدَتِه، كنَّ له حِجابًا من النار يوم القيامة). (رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني).
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن كانت له أنثى فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثِر ولده عليها - يعني الذُّكور - أدخله الله الجنَّة). (رواه أبو داود).
- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (فاتَّقوا اللهَ في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهنَّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تَكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف). (رواه مسلم).
ولمكانة المرأة في الإسلام جعل لها رأيها في اختيار مَن يتزوجها واحترم الإسلام حقَّ المرأة في الميراث، وسمح أن يكون لها ذمَّة ماليَّة خاصة، ولم يَحرمها من حقِّها في التعليم وتقلُّد المناصب التي تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله تعالى عليها... إلى غير ذلك من الحقوق التي لم تَحظ بها في ظلِّ أي حضارة أو ديانة أخرى.
وهكذا ظلَّت هذه الروح ساريةً، وهذه المبادئ مُمتدة، تنظم للمرأة شؤونها، وتُعلي من قدرها ومكانتها، دون تغيير أو تبديل إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومَن عليها.
ولكن للأسف نرى بين الحين والآخر بعضَ الغربان تنعق محاولةً طَمْسَ هذه المعالم، وإهدار هذه الحقوق، تحت ما يسمُّونه المساواة، وكذلك نرى خفافيش الظلام التي تحاول أن تجرَّ المرأة إلى مستنقع الرذيلة وإعادتها إلى سابق عهدها في ظلِّ الأزمان الغابرة تحت ما يسمونه الحرية. فالمساواة التي يطالبون بها لا تتفق مع فطرة المرأة التي فطرها الله عليها والحرية التي يروجون لها تجعلها كلأ مشاع لكل طامع وديننا كما قلنا يريدها أمًّا حنونًا، وأختًا عطوفًا، وزوجة مُكرمة، وبنتًا رؤومًا، وسيدة مُبجلة.
نداء إلى المتشدقين بيوم المرأة وحقوقها كذباً وزوراً وبهتاناً
- يا سادة.. برهنوا على صدق نواياكم وشعاراتكم بالمطالبة بحقوق المعتقلات في الحرية.
- يا سادة.. برهنوا على صدق نواياكم وشعاراتكم بالمطالبة بحقوق أمهات المعتقلين وزجاتهم وبناتهم في حياة أسرية كريمة في كنف ذويهم.
- يا سادة.. برهنوا على صدق نواياكم وشعاراتكم بالمطالبة بحق المرأة المَعيلة، وحق الأرامل والمسنات والكادحات، في الرعاية التي تليق بهن.
- يا سادة.. برهنوا على صدق نواياكم وشعاراتكم بالمطالبة بمحافظة المرأة على أعراف وتقاليد المجتمع الصحيحة ومباديء الدين السمحة وليس التقليد الأعمى والانجراف الأهوج وراء كل ما هو غربي لا يمت لديننا ولا لمجتمعنا بصلة بل يُفرِّغ المرأة من روحها والجسد بلى روح يعطب ويبلى.
- إننا إن سمعنا لكم في هذا الجانب صوتاً تكونوا قد برهنتم على صدق نواياكم وشعاراتكم، ولكن قبل ذلك فسأكررها أنكم مجرد غربان تنعق وخفافيش لا تعرف العيش إلا في الظلام وما تريدون من المرأة إلا جسدها المجرد من العقل والروح وما تريدونها سوى دُمية تلهون بها فلا تختار مستقبلها ولا تقرر مصيرها.