لا يخفي "محمد عبداللطيف" سعادته إثر مشاركته في تنظيم حفل تطوعي لإحدى الجمعيات الخيرية المعنية برعاية الأيتام، والذي أقيم بالتعاون مع إحدى الفرق التطوعية الأسبوع الماضي في منطقة مخيم الزرقاء للاجئين الفلسطينيين.
محمد عبداللطيف، طالب جامعي دخل إلى هذا المجال عبر أحد زملائه، مشيراً إلى شعوره بالرضا عن هذه المشاركة قائلاً: "ليس أجمل من أن تسهم في رسم البسمة على جبين طفل يتيم، لا أمتلك المال للتبرع به، لكن أمتلك الوقت والجهد للمساهمة في أي نشاط تطوعي يسهم في خدمة المجتمع، فخير الناس أنفعهم للناس".
وتنشط في الأردن العديد من الفرق والمبادرات التطوعية، لا سيما من قبل الشباب، حيث يؤكد عدد من الناشطين في هذا المجال على ما يشكله العمل التطوعي من ركيزة أساسية في المجتمع، وتعزيز قيم المبادرة والتكافل والتلاحم بين أبنائه، وما له من آثار نفسية واجتماعية إيجابية، لما يتضمنه من جانب إغاثي، وتنموي، وتوعوي في مختلف المجالات، إلا أنهم يرون أن غالبية المبادرات التطوعية الشبابية تتسم بالعمل الموسمي -على نظام الفزعة- على حد وصفهم، وتفتقر إلى التنظيم والمنهجية القائمة على رؤيا واضحة، مما يتطلب وجود حاضنة لتنظيم هذا القطاع، وتوفير الدعم والتحفيز والتدريب اللازم له، للخروج بأفضل النتائج، وتأصيل ثقافة التطوع لدى أفراد المجتمع.
ويرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، الدكتور "حسين الخزاعي" أن ثقافة العمل التطوعي موجودة في المجتمع، لا سيما في المدارس والجامعات، لكنها بحاجة إلى من ينمّيها ويعزّزها ويشجّع عليها، خاصة من قبل الأهل والمدارس، والجامعات، والمؤسسات التربوية والاجتماعية المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية للأفراد، بحيث تصبح ثقافة العمل التطوعي ثقافة عامة في المجتمع.
وأشار "الخزاعي" في تصريح لـ"بصائر" إلى انتشار العمل التطوعي بين فئة الشباب لكن بشكل موسمي و غير منظم، بحيث يقتصر على حملات أو مبادرات موسمية ما تلبث أن تنتهي، مما يجعل من الضرورة تنظيم هذه الجهود، وتطوير عملها، وتعزيزها، وتقديم التقدير والتشجيع لمن يقومون بهذه الجهود التطوعية.
وحول أبرز المعوّقات التي تواجه العمل التطوعي أشار "الخزاعي" إلى المعوقات المالية، لما تتطلبه الأنشطة التطوعية من دعم مالي، إضافة إلى المعوقات الأسرية، وعدم وجود ثقافة التحفيز والتشجيع لجهود العمل التطوعي، واعتبار أنها أعمال غير ضرورية، والتقليل من شأنها، مؤكداً على ما يتركه العمل التطوعي من أثر نفسي إيجابي لدى القائمين عليه، لما يقومون به من تقديم خدمات للمجتمع.
كما أشار "الخزاعي" إلى الأثر الاجتماعي للأعمال التطوعية، ودورها في تعزيز قيم التكافل والإيجابية، وتعزيز تماسك المجتمع ووحدته وتعاونه وتعاضده، والبعد عن النعرات والتفرقة العنصرية والفئوية، والمساهمة في زيادة تماسك المجتمع ووحدته، ويقلل من الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد، ومساهمة العمل التطوعي في إظهار عدد من الاحتياجات الضرورية في المجتمع، والتي تكون غير ظاهرة للعيان، بما فيها تقديم الدعم المعنوي والتوعية بأنواعها الدينية والصحية والقانونية.
فجوة في حجم العمل التطوعي:
وتظهر بعض الدراسات حجم الهوة بين العمل التطوعي في الدول الغربية والعمل التطوعي في الدول العربية، بحيث بلغ عدد المنظمات التطوعية في العالم العربي (35000 ألف) جمعية حتى نهاية (2006م)، علماً بأن عدد سكان الوطن العربي (365 مليون نسمة)، فيما بلغ عدد الجمعيات الخيرية غير الربحية في الولايات المتحدة (1,514,000) جمعية، و حجم التبرعات المعطاة للمنظمات والجمعيات فيها (212 مليار دولار) سنة (2002م)، وعدد المتطوعين (90 مليوناً) أي ما نسبته (29%) من عدد السكان، حيث يعملوا بواقع خمس ساعات أسبوعياً في أعمال التطوع.
وتقوم الجامعات في بعض الدول بمعادلة ساعات العمل التطوعي بعدد معين من الساعات الدراسية، كما تقوم بعض الدول بإعفاء المتطوعين من رسوم بعض الخدمات أو تخفيضها، بالتنسيق مع الجهات الحكومية، كذلك إعطاؤهم الأولوية في التوظيف والتكريم، أو استبدال بعض العقوبات بفرض ساعات معينة للخدمة الاجتماعية.
واعتبر الناشط "عمر قنبز" -مدير جمعية "سنحيا كراماً" الخيرية- أن ثقافة العمل التطوعي في الأردن آخذة بالانتشار في المجتمع، حيث تشهد الأعمال التطوعية إقبالاً متزايداً من قبل الشباب، لا سيما من طلبة الجامعات، لكن بصورة موسمية، تقتصر على تنفيذ حملة مؤقتة، بما يفتقر للعمل المنظم والمؤسسي، مما يجعل من نتائج تلك الأعمال التطوعية ضعيفة وغير واضحة.
وأكد" قنبز" في تصريح لـ"بصائر" على ضرورة تحوّل المبادرات التطوعية إلى نظام مؤسسي، بما يعمل على تنظيم عملها، وضمان ديمومتها، مشيراً إلى ضرورة إيجاد حواضن لتنظيم عمل الفرق التطوعية في الأردن، وتوفير الدعم المادي اللازم لها، والعمل على تطوير مهارات الشباب العاملين في مجال العمل التطوعي، مؤكداً عدم استمرارية كثير من الفرق التطوعية؛ لعدم وجود المؤسسية في عملها، وغياب الرؤية الواضحة والتخطيط لديها.
وأشار"قنبز" إلى أهمية العمل التطوعي في المجتمعات، وما تلقاه من ترحيب وتقدير مجتمعي، لا سيما فيما تقدّمه المبادرات التطوعية، من مبادرات تتعلق بالدعم المادي والنفسيّ والمعنوي والتوعوي في مختلف المجالات، مؤكداً على ضرورة تعزيز التوعية بثقافة العمل التطوعي لا سيما من خلال الجامعات، عبر تخصيص مساقات أكاديمية لجميع طلبة الجامعة تتناول أهمية العمل التطوعي، وآلية تنظيم عمل الفرق التطوعية، مشيراً إلى نجاح المبادرات التطوعية في الدول الغربية في توفير المليارات على موازنات تلك الدول.
وأطلقت جمعية "سنحيا كراماً" الخيرية، عدة مشاريع تتعلق بالجانب الإغاثي، والجانب التعليمي والتدريبي، فيما أطلقت مؤخراً حملة "مديون"، بهدف سداد الديون الصغيرة لسجناء من أرباب الأسر، للحد من معاناة عائلاتهم، ومساعدتهم بتجاوز محنهم.
من جهتها اعتبرت "ياسمين الأسعد" -مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة في "جمعية باب الخير للعمل التطوعي"- أن زيادة انتشار ثقافة العمل التطوعي في الأردن خلال السنوات الأخيرة سببه وجود مؤسسات وجمعيات عملت على نشر وتنمية هذا الفكر، من خلال برامج تدريبية، ودورات ممنهجة، أهّلت العديد من القيادات التطوعية الذين عملوا على إنشاء جمعيات ومبادرات مميزة، احتضنت العديد من الشباب والشابات، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الوعي التطوعي، ورفع نسبة إقبال الشباب والشابات -خاصة طلاب الجامعات- على الأنشطة التطوعيّة، مشيرةً إلى أهمية العمل التطوعي في كونه قطاعاً إنتاجياً يساهم في بناء الاقتصاد الوطني، ويمثل رديفاً للحكومة في التخفيف من أعباء الفقر، وتوجيه طاقات الشباب نحو بناء الدولة، والبعد عن فكر التطرف والإرهاب والانحلال.
وأشارت "الأسعد" في تصريح لـ"بصائر" إلى الدّور الذي قامت به جمعية "باب الخير للعمل التطوعي" لتأهيل القيادات التطوعية على مدار السنوات الماضية، من خلال إعطاء مجموعة كبيرة من ورشات العمل والدورات، وعلى رأسها: "دبلوم العمل التطوعي" بالشراكة مع الجامعة الألمانية وجامعة البلقاء التطبيقية، ودورة تدريب المدربين على العمل التطوعي والتي أعطيت في معظم محافظات المملكة.
وحول أبرز التحديات التي تواجه قطاع العمل التطوعي، أشارت "الأسعد" إلى ما تواجهه الجمعيات من تحدٍ مالي لتمويل مشروعاتها التنموية، حيث يقبل المتبرعون غالباً على تمويل المشاريع الإغاثية فقط، كما أشارت ما تواجهه المبادرات التطوعية من غياب التنظيم والعشوائية في العمل، وعدم وجود رقابة، مما أدى إلى وقوع بعض التجاوزات التي أساءت إلى ثقافة العمل التطوعي في الأردن، إضافة إلى عدم تقدير المؤسسات لأهمية العمل التطوعي، وعدم إعطاء ميزة للمتطوعين على غرار النظام الغربي.
وأكّدت "الأسعد" على ضرورة تطوير قطاع الأعمال التطوعية، وإعطاء الأولوية في تنفيذ المشاريع للمشاريع التنموية، وقيام شراكات استراتيجية بين المؤسسات التطوعية لتنفيذ هذه المشاريع، وإيجاد خطط واضحة طويلة الأمد لدى المؤسسات العاملة في مجال التطوع، وتوفير قاعدة بيانات موحدة على مستوى المملكة تساهم في إعطاء معلومات دقيقة عن مدى استفادة المستهدفين من خلال المشاريع الإغاثية، ومنع التكرار والتوزيع غير العادل للمساعدات، وقيام المؤسسات بتطوير وتدريب الشباب العاملين لديها على العمل التطوعي المنظم، وبفكر مؤسسي واضح ومحدد الأهداف.