ثماني لفتات عند تقديم النقد والتوجيه

الرئيسية » خواطر تربوية » ثماني لفتات عند تقديم النقد والتوجيه
meeting-strangers

لأمير الشعراء "أحمد شوقي" بيت جميل يقول فيه: "آفةُ النّصح أن يصير جدالاً ** وأذاهُ أن يكون جِهارًا".

وهذه لفتة لكل ذي توجيه أو صاحب رأي، للتنبه لكيفية عرض رأيه وتقديم توجيهه بما يعين الطرف الآخر على حسن استقباله، أو يقع موقعًا طيبًا، وإن لم يأخذ به على كل حال، فيما يلي عرض لثماني لفتات تربوية وفنيّة لمقاربة ذلك المنهج:

1. ركّز على توصيف الموقف الذي تبدي رأيك بخصوصه، وتجنّب قدر الإمكان الأوصاف الفضفاضة كـ "غير صحيح"، و"غير لائق"، و"جيد"، و"سيء"، بل وضّح كيف يتناقض التصرف مع ذلك الجيد أو اللائق بتحديد أو تعريف ما تقصده أصلاً بتلك الصفة، خاصة وأن مثل تلك الأوصاف الفضفاضة قد تتداخل مع أهوائك الشخصية، فما لا يعجبك أنت -مثلاً- تراه "سيئاً"، ولا يكون كذلك بشكل عام.

وجود تعريفات محددة، ومعايير معينة، يوفِّر على الطرفين الاختلاف حول ما لا يعرفون علام يختلفون فيه ! خاصة وأن لكل إنسان تصوّراً في رأسه عن صفة معينة، قد يختلف أو يتفق مع صاحبه بدرجات، فمن الناس من صفة "القوي" عنده تساوي المتانة الجسمانية، وآخر يراها أخلاقية، وثالث يعرّفها على أنها قامة معينة.

2. كذلك، لا تكتفِ بالوقوف على الخطأ دون إيضاح الصواب ، فمجرد إطلاق توصيف "غير لائق"، لم يُعِن مستمعك في الحقيقة على تقويم ذلك السلوك، فإذا بيّنت اللائق اتضح تلقائياً ما هو "غير" ذلك، لكن الغيرية وحدها لا تقنع، وبضدها تتبين الأشياء.

3. تجنّب التعميمات من قبيل: "دائماً"، و"أبداً"؛ لأنها بمثابة تنبيه للخط الدفاعي عند الطرف الآخر، فينتهي المطاف بك مدافعاً عن رأيك، وبالطرف الآخر مهاجماً مبالغتك ورافضاً لها، بدلاً من التركيز على الموقف الآني، محل الانتقاد، نبّه إلى التصرف أو الموقف المستحق للانتقاد في حينه حتى لا يتراكم ، فتلجأ إلى هذه الصفات المستفزة؛ لأن الطرف الآخر قد لا يكون منتبهاً لها، أو منتبهاً إلى أنها تضايقك، وله عذره إذا لم تكن أخبرته قبلُ، أما إذا كنت نبهت سابقاً، فالحل في أن تسعى لفهم جذور الفعل لدى الآخر ومنشئه، ولعل هذا يكون أعون على توسعة صدرك لتقبله والتسليم به، ضمن مساحة عدم الكمال المعطاة لكل شخص، كما سلف الحديث عن ذلك.

تجنب التعميمات من قبيل: "دائماً" و"أبداً"؛ لأنها بمثابة تنبيه للخط الدفاعي عند الطرف الآخر، فينتهي المطاف بك مدافعاً عن رأيك، وبالطرف الآخر مهاجماً مبالغتك، ورافضاً لها

4. لا تتحرج من التكلم بصيغة الأنا إذا كان التصرف محل الانتقاد يزعجك شخصياً ، ولا علاقة له بعرف أو مبدأ عام، هذا أكثر وضوحاً ومباشرة من استعمال ضمير المتكلمين الذي يفعل فعل كلمات: "دائماً" و"أبداً"، فعبارة مثل: "ثرثرتك الفارغة تزعج كل من حولك"، سيستقبلها الطرف على الآخر على أنه انتقاد شخصي يهاجمك بمثله، في حين أنّ: "لا أستطيع التركيز في عملي بوجود متحدثين قربي، هلّا أكملت حديثك في الاستراحة أو في مكتبك الخاص؟" يبدو وصفاً موضوعياً للموقف، وطلباً مهذباً لا غبار عليه.

5. ليكونَ #النقد مُتَقبَّلاً نفسياً، ومن ثَمَّ نافعاً فعلياً ينبغي أن يكون توصيفاً وليس وصية أبوية، "يتوجب عليك"، و"يجب"، و"يجدر"، و"ينبغي" هي أفعال آمرة أكثر منها منبّهة، فليكن هنالك معيار واضح على أساسه يتم مقارنة الموقف، أو التصرف المنتقَد لبيان سبب الانتقاد، وذلك يساعد على تجنّب التجريح في ذات الشخص والتركيز على عمله، فلو كنت تبين لزميل حديث العهد بسياسات الشركة خطأً في تصرفه، لا تبدأ انتقادك بـ "أنت مخطئ! كان يجب أن..."، بل اشرح –أولاً- سياسة الشركة، ثم أتبعها بالانتقاد في صورة توضيح: "في ضوء هذه السياسة نتصرف كالتالي [...]، وليس هكذا [تصف الفعل نفسه دون إشارة للزميل]. هل فهمتَ الفرق؟"

6. تخيّر أوقات الهدوء والصفاء النفسي، ولا تبادر بالانتقاد وقت الغضب؛ لأن النقد البنّاء حينها سيتحول إلى تفريغ عاطفي يضرُّ أكثر مما ينفع.

لا تبادر بالانتقاد وقت الغضب؛ لأن النقد البنّاء حينها سيتحول إلى تفريغ عاطفي، يضرّ أكثر مما ينفع

7. غَلَب على كلمة "النقد" استعمالها عند ذكر العيوب، لكن النقد في الأصل يعني موازنة الكِفتين: (السلبية والإيجابية)، فمن التلطف في إبداء الرأي والنصح عامة عدم إغفال المحاسن، بل والبدء بها ما أمكن : "تعجبني طريقتك في مناقشة مشكلات الطلبة، فلو رسمت على شفتيك ابتسامة لازدادوا لك وُدا"، لكن احرص على أن تكون صادقًا في تخيّر ما تمدح، لا متملقًا، ولن تعدَم على الأقل صفة أو ميزة حقيقية في شخص لتثني عليها.

8. توقف عند حدود جهتك، من حيث إبداء الرأي أو مشاركة النصح، باستثناء السياقات المأمور فيها شرعًا بإلزام الطرف الآخر بفعل أو قول، سيكون غاية ما عليك هو إبداء ما عندك، ومنتهى أمانتك تجاه الطرف الآخر أن تسلّمه إياها، أما أن تنقلب النصيحة لتنصيب نفسك حكماً على الغير، أو قسرهم على اتباعها، فذاك سيخرج بها في الغالب عن إطارها لمستوى آخر من التجادل ونزاعات الكبرياء.

واذكر في ذلك بيت أمير الشعراء في المقدمة، تجنب الخوض في سجال لا يسأل صاحبه ليستفهم، بل ليجادل! فلن تنزل له على رأيه ولن يوافق رأيك، وتجنب كذلك سياقات المجاهرة والتوجيه على الملأ، خاصة لمن لا يلزمهم اتباعك؛ لأن الحضور الجماهيري في حد ذاته يمثل عبئاً نفسياً يحول في غالب الأحيان من التقبل الموضوعي للطرح مهما كان جيداً ومُجوّدًا.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …