منذ اندلاع ما يُعرف بثورات "الربيع العربي"، وصعود قوى الإسلام السياسي، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، إلى منصات الحكم، أو على أقل تقدير، إلى واجهة التأثير السياسي في أكثر من بلد عربي؛ وقد زاد الاهتمام الأكاديمي والسياسي، وحتى الاستخباري، بمحاولة تفسير هذا التقدم السريع الذي حصل بمجرَّد أن انفتحت منافذ وآفاق العمل السياسي أمام هذه القوى، بحيث بات من الواضح أنها الخيار الشعبي الأول، وبالتالي؛ هي المعبِّر الرئيس عن الحالة المجتمعية القائمة.
وبالرغم من أن التغيير طال الكثير من البلدان العربية ذات الثِّقَل والتأثير، وعلى رأسها مصر؛ فقد ظلت الحالة السعودية قائمة في تفكير الكثيرين، باعتبار أن المملكة العربية السعودية هي مفتاح التغيير الأساسي في منطقة الخليج العربي، وأن التغيير في الخليج؛ سوق يثبِّت ما جرى في مصر وتونس وليبيا واليمن قبل انقلاب الأوضاع في بعض بلدان "الربيع العربي".
وبخلاف مركزية السعودية السياسية؛ فإن لها مركزية أخرى شديدة الأهمية في ساحة القوى الأساسية التي تصدرت خطاب وحِراك التغيير والإصلاح في العالم العربي، وهي احتضانها الخطاب الإسلامي، سواء التقليدي أو الصحوي، بحيث يكون أي تغيير فيها لصالح القوى التي تتبنى هذا الخطاب؛ له تأثيره الساحق على المجتمعات التي تتواجد فيها هذه التيارات.
في هذا الإطار، وفق الفترة التالية مباشرة للثورات التي اندلعت في غير بلد عربي، خرج إلى النور أكثر من عمل أكاديمي حاول أن يسبر أغوار هذا التيار، باعتبار أنه كان مرشحًا بقوة لأن يأخذ دوره في دورة التغيير الذي كان قد بدأ.
ومن بين هذه الأعمال، هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والذي وضعه الباحث التونسي المتخصص في شؤون الفكر الإسلامي والحركات الإسلامية، الدكتور محمد بو هلال، صاحب كتاب "إسلام المتكلمين" الشهير الذي ظهر في العام 2006م.
الكاتب استخدم أداة مهمة لرصد ما حاول أن يقرأه في خطاب الصحوة السعودية، وهو خطاب تحليل المضمون؛ حيث إنه قدم في فصول الكتاب الخمسة، قراءة في أفكار وأدبيات عدد من الرموز المحسوبين على التيار الصحوي في المملكة، مثل عبد العزيز آل عبد اللطيف، وابراهيم السكران، وعبد الرحمن البرَّاك، وناصر العُمُر، وسفر الحوالي.
وهو أمر مستقر في منهجية بو هلال وهو يقدم قراءاته دائمًا حول الإسلاميين وتيار الإسلام السياسي؛ حيث نجده، ومنذ كتاباته الأولى، يهتم في كتاباته في هذا الاتجاه، سواء التاريخية، أو المعاصِرة، بالنصوص.
وبدايةً؛ فإنه من المهم أن نشير إلى أن التيار الصحوي الذي حاول بو هلال تقديم قراءات في أفكاره، إنما – كما هو مفترض – ينتمي إلى الإخوان المسلمين بالأساس، ولكن ببعض التدقيق، فإن المجموعة التي اختارها الكاتب لمناقشة أفكارها، هي تنتهي فعليًّا إلى التيار السروري، وهو تيار أسسه المفكر السوري، الشيخ محمد سرور زين العابدين، وكان من الإخوان المسلمين ولكنه انشق عنهم، وسعى إلى تأسيس تيار يمزج بين السلفية وبين فكر الإخوان المسلمين، استنادًا إلى أدبيات الأخوَيْن، سيد ومحمد قطب.
ولعل أهم نقطة ركز عليها بو هلال في سياقات الكتاب، هي أن التيار الصحوي السعودي، قد طرح خطابًا إصلاحيًّا وتصورات من القضايا الرئيسية المطروحة على المجتمعات العربية والمسلمة في هذه المرحلة، مثل العلمانية والديمقراطية، وقضية العلاقة مع الآخر المخالِف في العقيدة؛ ينطلق من الثوابت العقيدية والقيمية التي يحيا وفقها المجتمع السعودي، وبالتالي؛ فقد لاقى قبولاً كبيرًا من الناس، ولكنه في الوقت ذاته، يرى أن هذا التيار يواجه مرحلة من التشظِّي والانحسار.
ففي الفصل الأول من الكتاب، "المنعرجات الفكرية لتيار الصحوة"، قسَّم المؤلِّف المراحل التي مر بها هذا التيار إلى أربعة مراحل؛ الأولى، طور النشأة، وطرح صيغة إسلامية جديدة تختلف عن السلفية التقليدية، والثانية، أطلق عليها مرحلة فقه الواقع، ثم مرحلة التأزُّم، أو مرحلة الولاء والبراء كما أطلق عليها، وأخيرًا، مرحلة التشظِّي والانحسار، والتي أعادها الكاتب إلى تحديات داخل التيار ذاته، تتعلق بخلافات بشأن القضايا الأهم التي كان بصددها، والتي ناقشها الكاتب في فصول الكتاب التالية، بالإضافة إلى مواجهة الدولة السعودية له، بسبب تحديه للأصول التي قامت عليها السلفية التقليدية الحاكمة في المملكة.
والفصل الثاني، "من المباحث العقدية في خطاب الصحوة"، على وجه الخصوص يقدم نموذجًا تفسيريًّا لذلك؛ حيث إن الصحويين السعوديين مالوا إلى نقد وصل إلى مرحلة النقض للعقيدة الأشعرية، وهي مرتكز أساسي للسلفية الوهابية التي يستمد النظام السعودي الحاكم شرعيته منها، كما هو معروف.
الفصل الثاني، تناول كذلك موقف التيار الصحوي من المذهب الشيعي والشيعة، وأبرز المؤلف أن هذا الموقف ينفي بالكامل أي قبول للشيعة، باعتبارهم "رافضة مشركين"، وخطر على الأمة الإسلامية بالكامل.
الفصل الثالث، الذي حمل عنوان: "المباحث الفقهية في خطاب الصحوة"، تناول عددًا من الأمور المهمة التي تُعتبر من أكثر المجالات التي تحاول البيئات والأوساط الخارجية الاطلاع على مواقف الإسلاميين منها، مثل المرأة والتعليم والعمل، وغير ذلك.
ومال الكاتب إلى أخذ نصوص تظهِر هذا التيار بأنه شديد الانغلاق على نفسه وأفكاره، وفق مبدأ مهم أطلق عليه مصطلح "علوية الشريعة"، أي تحكيم الشريعة الإسلامية في كل شيء، ورفض أية أفكار يمكن أن تتعارض – مجرد تعارض ولو ظاهري – معها، وفق مبدأ "الحاكمية" وفق الرؤية التي طرحها له سيد قطب.
الفصل الرابع، "العلمانية في الخطاب الصحوي"، لم يسِر على ذات النحو السابق؛ حيث أكد وجود تطور ما في أفكار الصحويين من قضية العلمانية والديمقراطية على النسق الغربي، وأشار إلى أن الصحويين في هذه المنطقة ليسوا تيارًا واحدًا، وإنما تيارات متعددة.
وقال إن الصحويين الحداثيين، مثل الدكتور سلمان بن فهد العودة، حاولوا تلمُّس طريقًا يوازن بين اعتبارات "حاكمية الشريعة" وعقيدة "الولاء والبراء"، ومبدأ "سيادة الأمة"، وبين الأخذ بالديمقراطية، وأن بعضهم قبل مبدأ محاورة العلمانيين، ولكن على الأسس الواضحة التي يفرضها مبدأ "حاكمية الشريعة" على وجه الخصوص، ولكن وفق ما قال إنه صورة أكثر انفتاحية في النظر إلى هذا المبدأ.
الفصل الخامس "حصيلة القراءة: نحو خطاب إسلامي جامع"، مال فيه الكاتب إلى أن يحمل على التيار الصحوي، ووصفه في أكثر من موضع بأنه يواجه جدلية مهمة، وهي جدلية الانغلاق وإقصاء الآخر في مواجهة متطلبات المرحلة من انفتاح على الآخر.
وقال في هذا الفصل، وفي خاتمته للكتاب، إن التيار الصحوي في المملكة العربية السعودية، بحاجة إلى المزيد من إعادة توحيد الخطاب، وتبني رؤى أكثر حداثية لإمكان طرح أنفسهم مجددًا على المجتمع السعودي والمجتمعات العربية التي يوجد فيها تيار قوي شعبي للتغيير.
بيانات الكتاب:
اسم المؤلف: د. محمد بو هلال.
اسم الكتاب: خطاب الصحوة السعودية.. مقاربة لموقفها من العلمانية والديمقراطية والمُخالِف الفقهي والعقدي.
مكان النشر: بيروت
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر
تاريخ النشر: 2014م
الطبعة: الأولى
عدد الصفحات: 198 صفحة.