ليكن ذلك درباً من التكبر والتهور والجنون.
ليكن ذلك تعالِياً في مِحراب التواضع.
ليكن ذلك صلاة بلا وضوء.
ومبالغة بلا دليل.
سمِّها ما شئت ولكنها حقيقة دامغة وصراحة سابغة ويقين راسخ.
سمها ما شئت فهذه عقيدتي وقناعتي بمحض إرادتي وعلى مسئوليتي.
أنتم جعلتم لأمهاتكم عيداً تغدقون عليها فيه من حُبِّكم وعَطفكم وهداياكم وأحضانكم وقبلاتكم..
ثم ماذا ؟
ثم ينتكس الحب وتفتر المشاعر ويتقلص العطف وتختفي الهدايا وتتباعد القلوب وتصبح القبلات في غير هذا اليوم تودداً لغاية وتملقاً لما بعدها.
هذه هي أمكم وهذا هو عيدها!!
هل تريدونني أن أحدثكم عن أمي؟
أمي هي هذه الملكة المُتوجة المُتربعة على عرش قلبي لا تفارقه لأنها لو فارقته لبهتت ألوان الحياة ولذبلت زهورها ولزال شذاها وعبيرها وكنت على وجهي هائماً وفي كل واد متخبطاً وأنا لها كذلك.
أمي هي هذه الأنفاس السرمدية التي لو توقفت لأصبحتُ أنا جثة هامدة تعافها النفس ويفزع منها الناس وأنا لها كذلك.
احذر .. أن تدعي الفهم وتسمي هذه الكلمات فلسفة عبثية وادعاء عِشق ليس في مكانه ولا في زمانه.
احذر.. أن تدعي الفهم وتسمي ذلك تنصلاً من واجب أو تنسكاً وادعاء زهد مبالغ فيه.
احذر .. من الاقتراب من هذا الصرح فإن للحِمى حُرَّاسه وللقصر أسواره وللأبواب أقفالها.
يا هذا .. لقد أغدقت على أمي من البر والحب والعطف ما أغنى قلبها عن المزيد في يومكم هذا.
يا هذا .. إنني أنام كل ليلة على دقات قلب أمي وأستيقظ كل صباح لتكتحل عيني بوجه أمي وأخرج وأعود وأذناي تطربان بدعوات أمي ولساني يلهج بالدعاء لأمي.
يا هذا.. شتان ثم شتان ثم شتان بين الحب وادعائه وبين الود وتكلفه.
يا هذا .. شتان ثم شتان ثم شتان بين من يغوص حتى أذنيه في الحب طوال العام وبين من ينتظره يوماً كل عام.
يا هذا .. شتان ثم شتان ثم شتان بين الابن بالنسب والابن بالتبني.
فأنا ابن لأمي بالنسب كما أمرني ربي سبحانه وتعالى وكما علمني نبيي صلى الله عليه وسلم لا أفارق خطاها وأتعبد لله في محرابها.
أما أنت .. فأنت ابن لأمك بالتبني كما علمك من جعل لها يوماً تعبر فيه عن حبك (قصراً وجمعاً) ثم تهرول حتى لا يفوتك قطار الحياة.
عفواً عزيزي .. إنني لا أريد أن أقرعك بكلماتي ولا أريد أن أنغص عليك ادعاء فرحك بنصحي وإرشادي، ولكني أريد أن أمنحك (قُبلة الحياة) لتعرف معنى الأم وحبها قبل أن تفارق أنت الحياة.
نصيحتي .. اذهب الأن وارتمي تحت قدميها لتعوض تقصيراً مضى وأعلنها توبة من الآن عن سوء فهمك لتكريم الأم وبرها.
وإن كان الأوان قد فات لأنك فقدتها فأغدق عليها من الدعاء بالمغفرة والرحمة كل لحظة وافعل ذلك مع خالتك ومع كل أم عقها ابنها أو فقدت ابنها.
عفوا أمي .. لن أكون مبالغاً إذا اعتذرت لك الأن لأني شُغِلت عنك بكتابة هذه الكلمات.
ولكني أحتسبتها لوجه الله تعالى لتكون في الله نصيحة وإليه سبحانه وتعالى دعوة وعلم يُنتفع به فيثقل الله تعالى بهذه الكلمات ميزانك وميزاني فأنا من غرس يدك وكل ما أفعله من أثرك الطيب ومن جميل صنعك.