يُعتبر هذا الكتاب صغيراً في حجمه مقارنةً بغيره من الكتب، لكنه كبير في معانيه، يُخاطب فيه الكاتب عموم المسلمين: "أخاطب عموم المسلمين الذين ليس في أيديهم قرار تسيير الجيوش ولا قطع العلاقات، ولا غلق السفارات، ولا وقف التطبيع، ولا محاكمة شارون، ولا وحدة قادة المسلمين".
بدأ الكاتب بالحديث عن الأندلس وسقوطها، والربط بين العلاقة الوثيقة بين قضية #فلسطين الحالية وبين الأندلس.
ويرى الكاتب أنه إذا تُرك الأمر على حاله في تراجع ودعةٍ من المسلمين، فإن المصير سيكون واحداً، وإذا تقادم العهد على عملية الاستيطان والإحلال سيُصبح المكان مع مرور الزمان اسمه "إسرائيل"، كما أصبحت الأندلس مع مرور الزمان اسمها "إسبانيا والبرتغال!".
ويقول الكاتب: "إن قضية فلسطين من أخطر قضايا الأمة على الإطلاق، فهي قضية أُمةٍ تُذبح، وشعبٍ يباد، وأرضٍ تُغتصب، وحرماتٍ تنتهك، وكرامةٍ تهان، ودينٍ يضيع".
قضية فلسطين من أخطر قضايا الأمة على الإطلاق، فهي قضية أُمةٍ تُذبح، وشعبٍ يباد، وأرضٍ تُغتصب، وحرماتٍ تنتهك، وكرامةٍ تهان، ودينٍ يضيع
ويتساءل الكاتب: "تُرى ماذا نفعل كأمة وكأفراد حتى لا تُصبح فلسطين أندلساً أُخرى؟" ويجيب عن هذا التساؤل عبر ستة واجبات أو أدوار عملية، يستطيع كل واحد منا تطبيقها، بحيث إذا فعلها الشخص على الوجه الأكمل كان ممن أدى حقَ فلسطين، وكان مُساهمًا في تحريرها ومستنفداً لوسعه وطاقته، ويوم القيامة يقول: "يا رب تألمت لفلسطين ففعلت كذا وكذا، وهذا ما كنت أملك" بحسب الكاتب.
وأكد أنه رغم تباعد الزمان والمكان، والمقارنة بينهما، أن الأندلس تتكرر من جديد في فلسطين بنفس الطريقة ! وذلك عبر قتل أو طرد المسلمين، وتحويل الشعب إلى لاجئ وشهيد، وهدم المباني والديار، وإقامة المستوطنات اليهودية في كل مكان، والقيام بعملية استيطان مُنظمة للشعب الفلسطيني من اليهود.
كما يؤكد الكاتب على أنه في هذا الكتاب لا يُخاطب الحكومات والهيئات الرسمية، بل يخاطب عموم المسلمين الغيورين على القضية.
مع الكتاب:
قسّم المؤلف كتابه إلى ستة واجبات لا فصول وهي:
-الواجب الأول: فهم القضية فهماً صحيحاً وتحريكها بين الناس بسرعة، وذلك بأن لا يمُرَّ على المسلم يوم أو يومان دون أن يذكُر فلسطين، أو يُذكِّر بها قائلاً: "تحدّث عن فلسطين في دائرة بيتك، وفي دائرة الأقارب القريبة والبعيدة، وبين أصدقائك، وفي دائرة عملك، وفي الدوائر السطحية التي تلتقي بها -قدَراً دون ترتيب-، وأنت منتظر في عيادة طبيب، أو راكب في السيارة أو التاكسي. ثم فكر في أن توسع دوائر التحريك: كنشر مقال في جريدة، أو توجيه خطاب إلى بريد إحدى الصحف، أو كلمة بسيطة سريعة في مسجد، أو بنشر خبر عن عملية استشهادية، أو سؤال الدعاء لأهل فلسطين، أو من خلال خطبة جمعة –لو تستطيع-، أو تنصح الخطيب بذلك، أو ابعث رسائل على الإنترنت لكل من تعرف من الهيئات والأفراد في كل بقاع العالم، ابعث للمسلمين وغير المسلمين، اشرح القضية وافضح فضائح اليهود، اعمل رأياً عاماً عالمياً مضاداً للإعلام اليهودي، وحتى المظاهرات السلمية تعتبر تحريكاً للقضية، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن تكون المظاهرة وفق الضوابط الشرعية".
ويؤكد الكاتب على أن تحريك القضية الفلسطينية -وبسرعة- واجب حتمي يحفظ القضية من الموت أو النسيان ، لكن لابدّ أن يكون التحريك بالمفاهيم الصحيحة؛ لأن هناك مؤامرات سياسية عن طريق المفاوضات، وعسكرية عن طريق الجيوش والطائرات، واقتصادية عن طريق الحصار، ومؤامرات تفريقية للتفريق بين الشعوب الإسلامية وأفراد الشعب الواحد، ومؤامرات أخلاقية عن طريق إفساد أخلاق المسلمين بالإعلام والإنترنت، وفكريّة عن طريق تبديل المعايير الصحيحة وقلب الموازين، وهي الأشد فتكاً من بين كل المؤامرات.
ويطرح الكاتب مجموعة من المفاهيم التي يجب على كل شخص غيور على قضية فلسطين أن يفهمها وهي:
- مفهوم أن فلسطين بكاملها إسلامية ولذلك نحررها، والرد على من أراد تجزئة القضية، أو القتال من أجل القدس أو الأقصى فقط.
- مفهوم وجوب استمرار الانتفاضة، وأنها الطريق الوحيد للتحرير.
- مفهوم "إسرائيل" الكبرى وحقيقته.
- مفهوم أهمية دراسة التاريخ الإسلامي بصفة عامة، وتاريخ فلسطين الحديث بصفة خاصة، والتعليق على بعض النقاط فيه.
-الواجب الثاني: قتل الهزيمة النفسية، وبث الأمل في عودة اليقظة للأمة الإسلامية، ويشير الكاتب إلى مجموعة أمور تفاعلت فأورثت هذا الإحباط في نفوس المسلمين، ويوجّه عشر حقائق لمن يشعر بالإحباط تجاه القضية وهي:
- لله سنن في الأرض لا تتغير ولا تتبدل، منها قوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [سورة آل عمران، الآية:140].
- أن أمة الإسلام باقية لا تموت؛ لأنها تحمل الكلمة الأخيرة من الله إلى خلقه.
- المعركة ليست بين المؤمنين والكافرين، بل بين الله عز وجل وبين من مرق عن دينه وشرعه من عباده الضعفاء، وبين الله وبين كل من حارب دينه.
- افهم حقيقة البُشرى في الكتاب والسنة.
- افهم حقيقة التاريخ، فما نُصرنا في تاريخنا إلا بأعداد قليلة، وما سقطنا إلا وكان لنا قيام .
- افهم حقيقة الواقع، فالواقع ليس هزائم فقط، لاحظ الأربعين سنة الأخيرة، لاحظ المساجد وكثرتها وشبابها، لاحظ الحج والعمرة، لاحظ الحجاب.
- النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، وإذا كنت ترى أن الظلم والاضطهاد قد تفاقم فاعلم أن النصر قد اقترب.
- لا تستعجل النصر، فرُب حكمة لا تدركها، واعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله.
- النصر لا يأتي إلا بيقين لا يُساوره شك، ولا تُخالطه ريبة.
- الأجر لا يرتبط بالنصر ولكن بالعمل.
-الواجب الثالث: الجهاد بالمال قدر المستطاع، وتحفيز الناس عليه، وما أحوج أهل فلسطين للمال في هذه الأوقات، فهناك حصار اقتصادي رهيب، وإغلاق للمعابر، وتجريف للأراضي، ونقص في الغذاء والدواء، واستشهاد للشباب، وعائلات لا حصر لها تفقد عائِلها، ولذلك اجعل بذل المال لفلسطين قضية ثابتة من دخلك الشهري أو اليومي، وحفّز الآخرين على الجهاد بالمال ، كما أن زكاة المال جائزة على أهل فلسطين، بل هي محمودة، ففيهم الفقير والمسكين، والغارم والمجاهد في سبيل الله، ولا تَمُنّ بعطيتك، ولا تتكبر بها، ولا تَستقلنّ تبرعاً، فرُب درهم سبق ألف درهم.
-الواجب الرابع: المُقاطعة الاقتصادية الشاملة والكاملة لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو إنجليزي، أو لكل من يساعد اليهود، سواء كان دولة أو شركة، وهو واجب هام ومؤثر إلى أبعد درجات.
-الواجب الخامس: الدعاء المستفيض اللّحوح لله عز وجل بنصرة وثبات أهل فلسطين، والدعاء على اليهود وأعوانهم بالهلكة والاستئصال، وهو ركن أساس من أركان النصر، وسبب أكيد من أسباب التمكين.
-الواجب السادس: إصلاح النفس والمجتمع، فأمة الإسلام لا تُهزم بقوة الكافرين ولكن تُهزم بضَعفها ، ومُصيبة الأمة هي تعاظم حب الدنيا وكراهية الموت، والدنيا كلما تعاظمت في النفوس قلت قيمة الآخرة عند الإنسان، والدنيا كانت سبباً مباشراً في احتلال فلسطين، ولن تُحرّر فلسطين إلا إذا خرجت الدنيا من القلوب، والقضية قضية الأمة بأسرها، قال تعالى: {إن الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم} [الرعد، الآية:11]، قاعدة لا تتبدل ولا تتغير، ولن يتغير حالنا من ذلّة إلى عزّة، ومن ضعف إلى قوة، ومن هوان إلى تمكين إلا إذا اصطلحنا مع ربنا، وطبّقنا شرعه، وأخرجنا الدنيا من قلوبنا، وتبنا من ذنوبنا، وعظمت الجنة في عقولنا، ساعتها، ستصبح كل حركة وكل سكنة في حياتنا دعماً لقضية فلسطين.
لن يتغير حالنا من ذلّة إلى عزّة، ومن ضعف إلى قوة، ومن هوان إلى تمكين إلا إذا اصطلحنا مع ربنا، وطبّقنا شرعه، وأخرجنا الدنيا من قلوبنا، وتبنا من ذنوبنا، وعظمت الجنة في عقولنا
مع المؤلف:
الدكتور راغب السرجاني، هو طبيب ومفكر إسلامي، وأحد أكبر الدعاة المسلمين المعاصرين، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، ورئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، وصاحب فكرة "موقع قصة الإسلام" والمُشرف عليه، وُلِدَ عام (1964م) بمصر، وأتمَّ حفظ القرآن الكريم عام (1991م)، وحصل على الدكتوراه عام (1998م) (في جراحة المسالك البولية والكلى).
صدر له حتى الآن (58) كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي، تُرجمت كتبه إلى عدَّة لغات عالمية، منها: الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية، والإندونيسية، والصينية، والروسية، والتركية، والفارسية، وعلى مدار سنواتٍ عديدة كانت له إسهامات علمية ودعوية، ما بين محاضراتٍ وكتبٍ ومقالاتٍ وتحليلاتٍ، عبر رحلاته الدعوية إلى شتى أنحاء العالم.
من أبرز أقواله: "أحلم بيوم يصل فيه التاريخ الإسلامي الحقيقي – دون تزوير– إلى كل إنسان على وجه الأرض مسلمًا كان أو غير مسلم؛ ليعلم الجميع أن الدين الإسلامي الرائع صنع تاريخًا عالميًا رائعاً كذلك، وليعلم الجميع أيضاً أن هذه الأمة لها جذور أعمق من أن تُستأصل، وليدرك كل مُطّلع على هذا التاريخ أن هذه الأمة العظيمة ستبقى حية ما دامت على الأرض حياة، وستعود إلى صدارة الدنيا حتماً كما كانت قبل ذلك، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
بطاقة الكتاب:
العنوان: فلسطين لن تضيع... كيف؟!
المؤلف: د. راغب السرجاني.
عدد الصفحات: 128 صفحة.
سنة النشر: 1423هـ - 2002م