سواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما يوجهه لنا الآخرون من ملاحظات لا نراها في محلها، ينبغي أن ننتبه إلى أنهم يعبرون عن انعكاسنا عليهم، ورؤيتهم هم فينا، ولم نسمع أبداً عن أحد كان مرآة نفسه وحده بغير أن يحتاج نصحاً أو تقويماً إطلاقاً، وإذا كان سيدنا عمر رضي الله عنه قال: "رحم الله امرَأً أهدى إليّ عيوبي"، ففي زماننا نقول: "إن خير ما يُهدَى إليّ عيوبي".
فيما يلي ثماني لفتات تعين على حسن استقبال النقد والتعامل مع التوجيه، دون شطط في معاندة بنائيته، أو مغالاة في الاستسلام لتثبيطه الهدام:
1. فلنجتهد أن نوسع صدورنا في التقبل بغير "دفاعية"، وإنما "بنقاشية" ، فبدلاً من "لكن"، و"لا"، و"لست"، لنسأل أسئلة تبيّن للآخرين أننا نقدر مشاعرهم -كما كنا لنود أن يقدروا مشاعرنا-، مثل: "ما الذي أوحى لك بهذا؟"، "هل بدر مني تصرف؟"، "لم يعجبك هذا الأسلوب، فكيف كان يفترض أن يكون؟"... إلخ.
2. استمع، استمع، استمع، وقاوم بشدة الرغبة في المقاطعة أو الدفاع ، حتى وإن لاحظت من الطرف الآخر هجوماً لا بياناً موضوعياً، فبالاستماع وإبداء الاهتمام ستخفف من حدة الهجوم، وتبرمج الطرف الآخر تلقائياً ليرحب بالاستماع في المقابل، وشتّان بين السماع على غَضاضة في النفس وتجهيز للرد على من قال، والاستماع للفهم والانتفاع بما قيل، وللشافعي –رحمه الله تعالى– أبيات موافقة لهذا المعنى، يقول فيها:
عِداتي لهم فضل عليّ ومنّة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
فهم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
3. خذ نفساً عميقاً، وابتسم ابتسامة هادئة قبل أن تردّ على محدّثك؛ لأن الناقد يتوقع تلقائياً أن يكون المنتقد في حالة دفاعية، فيتحفز هو لا شعورياً كذلك للهجوم، بهذه الطريقة تطمئنه أن "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"!
4. تذكّر أنك لست في محكمة، ولا بحاجة للترافع عن نفسك، فركّز انتباهك على تقييم النقد المقدم لعلّ فيه بعض الصحة، وعلى الأقل تكون عرفت ما "يضايق" محدّثك، فلا تكرره مرة أخرى، أليست هذه فائدة؟
ركّز انتباهك على تقييم النقد المقدم لعلّ فيه بعض الصحة، وعلى الأقل تكون عرفت ما "يضايق" محدّثك، فلا تكرره مرة أخرى
5. كلّما شعرت أن محدّثك يستطرد في أوصاف فضفاضة، بادر بطلب أمثلة تعينك على فهم وجهة نظره، واسأله عن الأسباب التي أوحت له بتلك الصفات، ثم لخِّص ما فهمت منه بتعبيرك؛ لتجنب أي سوء تفاهم ، هذا يتيح لك أن تحسن تقييم النقد، ومدى اتفاقك أو اختلافك معه.
6. من حقّك أن تبيّن لمحدثك عدم اتفاقك مع وجهة نظره، أو مبالغته في الانتقاد، دون أن تكون دفاعياً، وذلك بأن تُقِرّ أولاً بتفهمك لوجهة نظره: "أفهم ما تعني وأتفق معك أن ذلك تصرف مزعج، لكن أترى حقاً أن ما فعلته كان..."، أو "... لكنني لم أتصرف من ذلك المنطلق "، أو "لكن لي رؤية أخرى أودّ عرضها".
بهذه الطريقة تتيح لمحدّثك أن يشترك معك في الحكم، مما يبعث جواً نفسياً من الألفة والتعاون اللازمين للوصول لنقد بنّاء.
من حقك أن تبين لمحدثك عدم اتفاقك مع وجهة نظره، أو مبالغته في الانتقاد، دون أن تكون دفاعياً
7. إذا كنت متفقاً مع النقد الموجه، وتبين لك خطؤك، لكن لم يتضح لك كيف تصوّبه، أو تحسن من أدائك، فلا تتردد في السؤال: "أتفق معك تماماً في هذه النقطة، لكن ماذا أفعل في رأيك لأتجنب تكرار هذا في المستقبل؟".
8. وبغض النظر عن مدى اتفاقك مع النقد الموجه، يمكنك أن تختم بعبارة ودودة ليس فيها مداهنة، ولا عداوة في نفس الوقت : "أقدر وجهة نظرك على كل حال، وأشكرك للفت نظري لذلك، وسأنتبه لها مستقبلاً إن شاء الله"، وفي حال اتفقت مع النقد أو بعض منه، فاحرص على تحديد ما فهمت: "إذن أفهم من كلامك أنني أخطأت في كذا وكذا، في حين كان ينبغي كذا وكذا".