لماذا علينا أن نتوقف عن المقارنة بين الأطفال؟ وما هو البديل؟

الرئيسية » بصائر تربوية » لماذا علينا أن نتوقف عن المقارنة بين الأطفال؟ وما هو البديل؟
children23-min

رغم أن الأغلبية الآن أصبحوا يعرفون أضرار المقارنة بين الأطفال، بل حتى بين الكبار، إلا أنهم يقارنون بلاشعور: (ابني مشى قبل ابنك، بنتي تكلمت قبل ابنتك)، إما لكي يتأكدوا أن مستوى طفلهم طبيعي، وأن نموه يسير بانتظام، أو يستخدموا طريقة المقارنة لحثّ طفلهم وتحفيزه، عن طريق خلق جو تنافسيّ مع أقرانه، ولا شكّ أن التنافس يزيد الإنتاجية، لكن ألا توجد طريقة للتنافس غير طريقة المقارنة مع الغير.

لنقرر بضعة حقائق:

المقارنة لا تتم بصورة صحيحة؛ إذ دوماً تتم مقارنة ما ينقص أولادنا بما يتقنه غيرهم فقط ، فقد يقارن رسم طفله برسم طفل آخر مبدع، وقراءة ابنه بقراءة أخته مثلاً، وجرأة ابنه بجرأة طفل ثالث، وهكذا لا نجد أنهم يقارنون شخصية ابنهم بالكامل، بشخصية طفل آخر بالكامل، وكأنهم يطالبون ابنهم بالكمال من كل النواحي، رغم أن الأهل بحد ذاتهم غير كاملين، ولربما هم أنفسهم لا يحسنون تربية وتعليم ابنهم، بقدر ما يفعل أهل الطفل الآخر الذي يقارنونه به، سأبيّن ذلك بمثال:

أحد الآباء لا يهتم بمشاعر أولاده، ولا يقترب منهم، ولا يحاورهم ولا يقضي معهم وقتاً، مما جعل أولاده جافين عاطفياً معه، بينما نجد صديقه يهتم بأولاده ويمازحهم، ويقضي معهم وقتاً ممتعاً، لذا، فأولاده يعاملونه بعاطفة شديدة.

دوماً نجد الأب الأول يقارن أولاده بأولاد صديقه ويسألهم: لم لا تكونون مثلهم؟ وهو لا يدرك أن الخطأ الأساسي بدأ من عنده!

لا يوجد طفلان نسخة طبق الأصل عن بعضهما، لكل منهما اهتماماته ونفسيته، فإن كان طفلكم من هواة كرة القدم، وأردتم له أن يرسم، وأجبرتموه على ذلك، فمن الطبيعي أن لا يكون بمستوى من يحب الرسم، أحياناً غيرة الأهل من بعضهم، تجعلهم يجبرون أبناءهم على ممارسة هوايات ابن غيرهم ، مثلاً، سعيد الذي يغار من زيد، يريد لابنه أن يكون تماماً مثل ابن زيد؛ كي لا يشعر أنه تفوّق عليه.

لا يوجد طفلان نسخة طبق الأصل عن بعضهما، لكل منهما اهتماماته ونفسيته

ولابدّ من إدراك أن تطور البنت يختلف عن تطور الصبي، لذا فمن غير العدل المقارنة بينهما، كما أن هناك بعض الأولاد يتأخر عن أقرانه، ثم ينطلق بسرعة كبيرة ويلحق بهم، بل قد يسبقهم. مقارنة الطفل الدائمة بغيره يجعله يشعر بعدم الأمان والاستقرار العاطفي، ولوم الذات باستمرار؛ إذ يشعر أن حبّ والديه له مهدّد، وأنه هو السبب في تعاستهم وخيبة أملهم.

مقارنة الطفل الدائمة بغيره يجعله يشعر بعدم الأمان والاستقرار العاطفي، ولوم الذات باستمرار؛ إذ يشعر أن حبّ والديه له مهدّد، وأنه هو السبب في تعاستهم وخيبة أملهم

المقارنة تجعل الطفل وأهله تحت ضغط وتوتر دائم، وهذا الأمر يضره سلوكياً وأكاديمياً، ويجعله يشعر بأنه مقيد باستمرار، وإذا استمرت المقارنة فإنه يسبب له مشكلات نفسية، وضعف ثقة بالنفس، وقد يرفض أن يجتمع مع الناس بوجود والديه؛ كي لا يبدؤوا بالمقارنات ويسببوا له الإحراج.

على النقيض من ذلك، فإن استمرار المقارنة قد تسبب لبعض الأطفال حالة من اللامبالاة ؛ لأنه يدرك أن والديه لن يرضوا عنه بأي حال، ولأنه يشعر بأنه أقل من غيره ولن يلحق بهم مهما حاول، هنا سأعرض مثالاً يتكرر كثيراً، يأتي الطفل فرحاً ويقول لأمه: كان ترتيبي الرابع على الصف، بدلاً من أن تُظهر فرحها بإنجازه، تسأله وماذا عن فلان؟ ما هو ترتيبه؟ ردة الفعل هذه تسبب خيبة أمل كبيرة للطفل، وشيئاً فشيئاً سيفقد رغبته في إسعاد والديه!

قد تواجهون حالة عكسية، إذ يقوم طفلكم بمقارنة نفسه مع غيره، فما عليكم في هذه الحالة سوى التأكيد باستمرار على عدم مقارنته، وأن كل ما يهمكم هو إنجازه الشخصي فقط، وقد تحتاجون بعض الوقت كي يقتنع بذلك، وخاصة إذا كان من النوع الحساس، والذي يسعى للكمال.

إذا أردتم تشجيع أولادكم فاكتبوا لهم جدول إنجاز بشكل شهري أو أسبوعي، واجعلوهم يقارنون إنجازهم لهذا الأسبوع بإنجاز الأسبوع السابق

إذا أردتم تشجيع أولادكم فاكتبوا لهم جدول إنجاز بشكل شهري أو أسبوعي، واجعلوهم يقارنون إنجازهم لهذا الأسبوع بإنجاز الأسبوع السابق، عندها سيتعلمون كيف ينافسون أنفسهم، ولا يربطون عملهم بعمل غيرهم، إن تأخر تأخروا، وإن تقدّم تقدموا.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صيدلانية، ومستشارة أسرية، صدر لها عام 2016 كتابين للأطفال، وكتاب للكبار بعنوان "تنفس". كتبت الكثير من المقالات التربوية والفكرية والاجتماعية على بعض المواقع والمجلات، و قدمت العديد من الدورات التطويرية والتربوية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …