كُل شخصٍ مُسلم يعلم أنّ الأعياد التي تُخالف الأعياد الشرعية بدعٍ حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضاً، فيكون فيها مع البدعة مُشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى.
ولا أجد حاجة للاحتفال بعيد للأم في مجتمع الإسلام والمسلمين، وإذا كان لا بُد من الاحتفال فلنسمِه (يوم الأم) بدل (عيد الأم) كما قال بعض العلماء؛ لأنّ فكرة العيد عندنا مُرتبطة بالدين ولا نود أن يكون لنا عيد غير عيد الفطر، الذي نحتفل فيه بإتمام الصيام لشهر رمضان، وعيد الأضحى، الذي نشارك فيه حجاج بيت الله الحرام في يوم حجهم الأكبر، وعلينا ألّا ننسى مشاعر الأبناء والبنات الذين فقدوا أمهاتهم، فيصبح هذا اليوم يوم حزن ونكد عليهم، فالإسلام لا يحتفل بيوم يسعد فيه البعض ويُعذب ويتألم فيه البعض الآخر.
لكن.. لِمَ لا نستغل أيام السنة بشكلٍ آخر لنبِرَ به أمهاتنا ولا نكتفي بالقول بأن الاحتفال بهذا اليوم حرام.
بالأمس كُنت في جلسة عائلية فاقترحت علينا أُمي أن نتجمّع أنا وأخواتي الخمسة خلال هذا الأسبوع لنقوم بتعزيل البيت لها وإعادة ترتيبه وتنظيفه وتغيير كل ديكوراته قائلةً: "أنا لا أُريد هدايا ولا احتفالات كونها بدع لكن مساعدتكن لي وتنظيف البيت أجمل من كل الأعياد المبتدعة والهدايا، فالآباء الذين ربّوا أبناءهم على تعاليم الإسلام ليسوا بحاجة لمثل هذه الأعياد لأنهم كل يوم يحتفلون ببر أبنائهم".
وأقترح أن نقوم ببر أمهاتنا وآبائنا سواء في هذا اليوم أو غيره من أيام السنة وبأشياءٍ بسيطة لا تحتاج إلى أموال أو تكاليف فوق قدرتنا وعلى طريقتنا الإسلامية الخاصة وكما علّمنا حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم وذلك- عبر:
1- إذا طبخت والدتك الأكل قَبِّل يدها أو أثنِ على جُهدها ولو كان الطعام محروقاً، ألا نرى ونحن قد كبرنا كُلما قُمنا بجهد ننتظر الثناء والشكر، فكلمة شكراً مجانية وتعني الكثير بل وتشحننا مجدداً لمزيدٍ من العطاء.
2- أن نقوم بمساعدتها في الأعمال فلا يليق بالولد أن يرى أمه تعمل وهو ينظر إليها دون مساعدتها.
3- البُعد عن إزعاجها سواء إذا كانت نائمة، أو إزعاجهما بالضوضاء والصخب ورفع الصوت، أو بالأخبار المُحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج.
4- إذا غضبت احتضنها وكأنها ابنتك الصغيرة، تذكّر لحظة غضبك كم تحتاج فقط لمن يحتضنك ويُخبرك "لا بأس أنا بجانبك وكل شيء سيكون بخير" ومن عساها تفعل هذا بدون تفكير؟؟ هي الأم الحنونة العطوفة.
5- تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الإخوة وأهل البيت عموماً بعيداً عن أعينهما.
6- تلبية ندائهما بسرعة سواء كان الإنسان مشغولاً أم غير مشغول؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولاً تظاهر بأنه لم يسمع الصوت، وإن كان فارغاً أجابهما، (أصم عن الأمر الذي لا أريده .. وأسمع خلق الله حين أريد)، وقد نبّه رسول الله على ضرورة إجابة نداء الآخر فما بالك وهي أمك من تطلبك!! وما أجمل أن تهب لها وتُجيبها "لبيك وسعديك يا جنتي".
7- إذا ما كُنت بعيداً عنهما اتصل بهما وأكثِر السؤال عنهما فهذا حتماً يُسعدهما، فهم يسعدون إذا ما سأل الابن عنهما، واستشعروا أن الدنيا لم تُلهِه عنهما ولم تُنسِه فضلهما وإحسانِها إليهما، لذا فلا تتأخر في إرسال رسالة قصيرة لهما أو اتصال يُبهِج قلبهما النقي.
8- إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا.
9- إذا مَرِضَ أحدهما كُن له طبيباً واهجر الدنيا لخدمته، فلحظة المرض لحظة ضعف، وما أشد حاجة الإنسان لمن يكن سنداً له في هذه اللحظات القاسية، والوالدان أحق من تولى هذه العناية والحب فلا تترك يدهما حتى ترى الصحة تشع في بريق عينيهما، فإنما هذا المرض وهذا الوهن الذي هما فيه من الإجهاد والارهاق الذي مارساه لتكون رجلاً أو لتكوني امرأة كما أنتِ الآن.
10- الاستئذان حال الدخول عليهما فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها.
11- الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما سواء في الذهاب مع الأصحاب، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها، أو الذهاب للجهاد، أو الخروج من المنزل والسكن خارجه، خصوصاً إذا كان رأيهما له وجه، أو كان صادراً عن علم وإدراك.
12- ادع لهما في صلاتك فإن هذا من البِر الخفي، والدعاء الذي قال عنه رسول الله يرد القدر، كيف تبخل على أعز البشر منه، ودعائك لن يضيع فإما يُصيب أحدهما بصحة وعافية، أو يدّخرها الله لك وتكن لك حسنات.
13- المحافظة على سمعتهما وذلك بمخالطة الأخيار، والبعد عن الأشرار، وبمجانبة أماكن الشبه، ومواطن الريب.
14- البعد عن لومهما وتقريعهما وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضيهما، كتقصيرهما في التربية، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها، مما قد بدر منهما فيما مضى.
15- العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به من رعاية للإخوة، أو صلة للأرحام، أو إصلاحات في المنزل، أو مبادرة بالهدية، أو نحو ذلك مما يسرهما ويدخل الفرح على قلبيهما.
16- فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك فإذا كانا أو أحدهما سريع الغضب أو فظاً غليظاً، أو كان مُتّصفاً بأي صفة لا ترتضى، كان جديراً بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه، وأن يعاملهما كما ينبغي.
17- تصدق عليهما إن كانا على قيد الحياة أحدهما أو كلاهما أو إن فارقا دنيانا بالقليل والكثير، فالصدقة التي تَعَاهدها من قبلنا أجدادنا وأهلونا، وهذا العمل الصالح الذي ينفعك أنت قبل المُتصدق عليه وينفع والديك الذي تتصدق به عليهما، فما أجمل أن تُؤثر والديك على نفسك.
18- أحسِن لذويهما وأقاربهما وأهلهما ومن تُحِب، فعندما تُحِب شخصاً من المؤكد أنك ستحب من يحب وتسعى للإحسان لهم، وهذا ما يُطبق مع الوالدين أيضاً، فأن تحترم أهلهنا وتزورهم وتهديهم هدايا أشد ما يُسعد قلب الوالدين ويزرع المحبة بين الناس جميعاً.
19- برهما بعد موتهما فمما يدل على عظم حق الوالدين، وسعة رحمة رب العالمين أن بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء، فإذا ماتا عض يده؛ ندماً على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين، وتمنى أن يرجعا للدنيا؛ ليعمل معهما صالحاً غير الذي عمل.
ختاماً- أنا لست ضد تقديم هدية للأم في السنة أو في الشهر مرة، لكن نحن المؤمنون نحتفل بأمِّنا في كل سنة ثلاثمئة وستين يوماً ونيّف، أما في العالم الغربي فتمر الأيام والشهور الطويلة وأحدهم لا يعرف عن أمه وأبيه شيئاً، هؤلاء بحاجة إلى عيد أم، أما نحن فتربينا على مائدة الحبيب المصطفى... الذي زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ يوم الفتح العظيم فِي أَلْفِ مُقَنَّعٍ أي: مع ألف فارس مغطى بالسلاح، فَمَا رُئِيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرُ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ (رواه الحاكم في المستدرك).. هكذا وفاء الإسلام بالأم في حياتها ومماتها.
وإذا أردت أن تبِر أمك فقط حاول أن تُحبها كما أحبتك بلا حدود وبلا مُقابل وأطلق العنان ليد العطاء وللسان الإحسان، واسأل الله أن يطيل أعمارهن في الخير وأن يرحم اللواتي توارين تحت التراب ويجعل دارهن الجنة إن شاء الله.
وحتى لا تحزن بعض الأمهات وتغار من غيرها لا مانع من أن تُقدم لها هدية لكن بغير اليوم الذي يُحتفل فيه بعيد الأم، لا بأس بما بعد هذا اليوم، ولا بد أن تُخبر أمك بسبب تأخرك في إهدائها حتى تكون على وعي ديني صحيح.