قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة:186].
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدُّعاءُ هُو العبادةُ ثمَّ قرأَ وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ" (رواه الترمذي).
• الدعاء من أفضل العبادات المأمور بها العبد والتي جعلها الله تعالى بينه وبين العباد دون وسيط ولا شريك، فالله تعالى أقرب إلى عبده من حبل الوريد.
• الدعاء ليس قاصراً على وقت الحاجة ورفع البلاء، فالله تعالى يحب من عبده الحمد والثناء في السراء والضراء، يحب من عبده أن يجعل الدعاء له كالهواء وليس مجرد دواء.
• الدعاء توسل لله تعالى بأسماء الله وصفاته، بدايته ونهايته الحمد على النعم والثناء على نبي العرب والعجم.
• الدعاء عُدة العارفين، وسلاح من لا سلاح له، وركن من لا قوة له، لا يُدفع به ذنب دون ذنب، ولا يُفرَّج به كرب دون كرب، فالأقوياء والضعفاء والمذنبين والأولياء لا غنى لهم عن الدعاء.
• الدعاء سهم أول مُراده شسع النعل وملح الطعام ومُنتهى مداه هو الفردوس الأعلى، متى أطلقه العبد بكامل شروطه فليعلم أنه صائب لا محالة عاجلاً كان أم آجلاً، فلا يتعجل الإجابة ولا يمل من الإنابة.
• الدعاء في عقيدة المؤمن هو أول الحِيَل وأقصر السُّبل، ولا يُقدِّم عليه وسيلة إلا ما أمر الله تعالى به من الأخذ بالأسباب وحسن التوكل على رب الأرباب.
• الدعاء - لكي لا يكون صرخة في واد ولا نفخة في رماد - يحتاج للهفة القلب قبل هندام القالب، وطيب الجوهر قبل طيب المظهر. فلابد أن يُرِي العبد ربه من نفسه خيراً، فيتحرى في مأكله ومشربه وملبسه الحلال، ويحفظ جوارحه عن الحرام في جميع الأحوال، ثم يلقي بنفسه بين يدي ربه خائفاً متضرعاً راجياً الرضا والقبول.
• الدعاء مجرد همسات يهمس بها العبد بكل ما يدور في نفسه وما تنطوي عليه سريرته ساكباً الدموع والعبرات، متخيراً أجمع الكلمات -بلا سجع ولا تعد ولا إسهاب- وأرجى الأوقات، رافعاً يديه، خافضاً بصره وصوته، لا يدعو بإثم ولا يدعو على نفسه ولا على رحمه. يتذكر أهله وما يلم بهم، وإخوانه وحاجاتهم فيشملهم بالدعاء مُوقناً الإجابة وموقناً أن رحمته سبحانه واسعة وفضله كبير وعطاؤه لا حد له.
• الدعاء لا يحتاج العبد فيه إلى تُرجمان، ولا يُسد عنه باب الرحمن، فهو سبحانه بكل الألسنة عليم، وبكل من قرع بابه رحيم، لا يُعجزه لسان عن لسان ولا يشغله حال عن حال.
• الدعاء تلعثم بلا خجل، وبكاء ووجل، يتذلل العبد ويُلح وهو يعلم أن ذلك هو مُراد الله تعالى من عباده.
• يُعاود العبد الدعاء مرة تلو مرة ولا يقطع الرجاء، يؤجل الله تعالى عنه الإجابة فلا يَعجل ولا يَمل قرع الباب فهو يعلم أنه سبحانه لا يعجل بعجلة أحدنا ولا يمل من إلحاحنا.
• الدعاء لا يكون مُعلقاً على المشيئة ولا يُترك احتجاجاً بالمشيئة النافذة والقدر الغالب فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء.
• الدعاء لا يُترك لكثرة الذنوب قنوطاً من رحمة علام الغيوب ومقلب القلوب فإنه سبحانه قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس؛ قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون؛ قال فإنك من المنظرين.
- إذا كانت كل هذه من متطلبات الدعاء وهيئاته فإن العلماء قد أوجزوا ذلك كله في عبارات ناجعة.
• قال ابن القيم رحمه الله: والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح. والسلاح بضاربه لا بحده فقط! فمتى كان السلاح سلاحاً تاماً لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو..! ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير..! فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثم مانع من الإجابة؛ لم يحصل التأثير..!.
• قال ابن عطاء رحمه الله: إن للدعاء أركاناً وأجنحة وأسباباً وأوقاتاً، فإن وافق أركانه قوي، وإن وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح. فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: شرائطه أربع: أولها حفظ القلب عند الوحدة، وحفظ اللسان مع الخلق، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل، وحفظ البطن من الحرام، وقد قيل: إن من شرط الدعاء أن يكون سليماً من اللحن.
• وختاماً: مساكين أهل الدنيا يُنفقون أموالهم الطائلة وجُهودهم المُضنية وحِيلهم الماكرة ويذهبون لمن يغلق في وجوههم بابه وتحول دونهم حُجَّابه ويتركون من يتحبب إليهم فيهربون، ويُقبل عليهم فيُعرضون فلا يزيدهم ذلك إلا هماً على همومهم وكرباً على كروبهم وهم رغم ذلك لا يتعظون ولا يرجعون.
اللهم افتح لنا باب الدعاء وهيء لنا أسباب قبوله.