لا شك أننا –كشباب- نعيش واقعاً شديد الخطورة على كل الأصعدة.
فما بين تجبر الظالمين، وتسلط المجرمين، وتلميع الملاحدة، وتقديم التحرر كطوق نجاة والتغريب كشعاع أمل والإباحية كحرية وحياة! فيتسرب للنفس ودون شعور حالة من الانهزام النفسي الشديد، ويشعر الشاب بأنه منكسر وغير قادر على تغيير نفسه فضلاً عن السعي لإرشاد غيره للخير، فيصاب بالقعود والركون والرغبة فى الانطواء والانعزال، مصحوباً بكمية من اللعنات على هذا العالم الذي تقلبت فيها الموازين، فأصبح الحق باطلاً والباطل حقاً!
ومع الأسف يتخيل الشاب ولو للحظات أن هذا المسار هو الحل كفرار من الحياة التي كرهها ولم يعد راغباً في البقاء فيها، وأن الحزن الذي بداخله سيسوقه لواقع جديد، ربما يجعله أكثر راحة، وهذا خطأ فادح في التفكير الشبابي. ونحن اليوم سنتحدث عن مظاهر هذا الشعور وأسبابه وهذه الحالة النفسية للشباب عموماً.
وتكمن هذه الحالة في المظاهر التالية:
أولاً- الخوف من قسوة الظلم، ومن ثم الميل للراحة، ثم يدلِّلُ بشيء مبررِاً قعوده من باب {ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، وقد يكون محقاً، لكن اليقين أن هذا عوار فى مآلات الأمور، وإذا كان الشخص حراً في خيارت بين العمل والركون، لكن بلا شك البقاء للعاملين أفضل، وما أعظم أن يلقى المرء ربه وهو رافع للحق راية!
ثانياً- الانشغال بالدنيا: وحتى لا يسرع البعض في فهم الأمر على غير مقصده، فنحن لا ندعو للتقشف، بل يجب على المرء أن يحيا حياة كريمة له ولأسرته ومن يعولهم، لكن في هذا الوقت من الواجب عليه أن يدرك أن العمل للدين حق، وأن رجال الله هم من يقدمون دعوتهم على أعمالهم، وما خلد الصحابة الأثرياء -كأبي بكر الصديق وعبد الرحمن بن عوف- إلا بذلك.
يجب على المرء أن يحيا حياة كريمة له ولأسرته ومن يعولهم، لكن في هذا الوقت من الواجب عليه أن يدرك أن العمل للدين حق، وأن رجال الله هم من يقدمون دعوتهم على أعمالهم
والسؤال الآن، ما هي أسباب هذا الانكسار والانهزام والرغبة فى الانعزال؟!
1- الوضع السياسي:
وهو أول أسباب هذه الآفة التي لا تفرق بين كبير وصغير، غير أن الشباب يعتبرون أكثر عرضة له، وخصوصاً في دول الربيع العربي، حيث قد استيقظوا على واقع مكلوم، وبنظرة بسيطة تستطيع أن تعي وتفهم المراد، فما بين القتل اليومي فى سوريا، وسرقة الحلم فى مصر، وتغيير المشهد في اليمن.
كل هذه فواتير دفعها ولازال يدفع ثمنها الشباب، وما يتعرض له على مدار اللحظة يجعل العقل والقلب والروح تتمنى الرحيل عن هذه الحياة! فليس هناك أَمَرُّ من الظلم والقهر وعجز الثقة!
2- فقدان الثقة في الطريق:
إن مسار الأفكار والدعوات حالها كحال الإيمان فى القلوب، يعلو ويدنو وتلك هي الحياة والأجر والمثوبة من الله، فالبعض ينشط ويعي أن هذه الضريبة لابد منها، والبعض بطبيعته يرى أن الانكسار يأتي من غياب رؤية المسار وضبابية الطريق، وكلٌ له وعليه وتعدد الآراء --يقيناً- علامة صحية، لكن الخطورة أن تنعكس هذه الحالة على الشاب فيكفر بالمسار ويلعن الطريق بل يبدله ويسعى لغيره، وكما تحول البعض بفقدانهم الثقة في مسارهم الفكري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والأمثلة كثيرة والتاريخ خير شاهد.
3- الصحبة:
إن الصديق إذا كان طيباً فهو كالمسك، وإذا كان خبيثاً فهو نافخ الكير، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن البقاء مع الخبيث يضيف خبثاً لصاحبه والعكس بالعكس كذلك، فالمكوث والبقاء مع شخص قليل الهمة كثير السخط سريع الغضب يميل للانعزال يؤثر بالسلب على من معه حتى لو كان ولده وزوجته، لذلك فالصاحب والرفيق قبل الطريق، والكيس الفطن من فطن حقيقة الطريق واستنقى رجاله ومن يسير معهم حتى يصل لغايته.
المكوث والبقاء مع شخص قليل الهمة كثير السخط سريع الغضب يميل للانعزال يؤثر بالسلب على من معه حتى لو كان ولده وزوجته
4- غياب التطوير الذاتي:
إن المحن كانت ولازالت باباً من أبواب اكتشاف القدرات والطاقات، وبوضوح شديد فالربيع العربي رغم واقعه إلا أنه أحيا الآمال فى النفوس وظهر جلياً الآلاف من الشباب قادة ميدانيين وتنظيميين ومتحدثين إعلاميين، حتى إن لم يتم استغلالهم أو حسن توظيف طاقاتهم، لكننا أبصرنا شباباً يُلهبون الملايين بخطاباتهم السياسية وبراعة لغة الجسد والمناظرات السياسية والفكرية بعد ثورات الربيع العربي، وهؤلاء يقيناً أضافوا لأنفسهم كثيراً، ولو قبلوا بوضعهم ووقوفهم فى خانة العطل بلا حراك أو تطور ربما كان حالهم أشد بؤساً وضيقاً، لذلك فطوق النجاة هو السعي فى تطوير الذات، والعمل على رفعة النفس، بل إن الرغبة الدائمة في تطوير الذات هي ضربة موجعة ضد كل منقلب وظالم، لذلك تجد الحرب دائمة على الشباب على مدار الساعة؛ بهدف تركيعهم والنيل منهم ومن عزائمهم، لكن أنّى لهم التناوش!
5- الرغبة فى التخفف:
إن الإنسان الذي يود أن يعيش خفيفاً بلا التزامات أو واجبات بشتى مسمياتها وتوجهاتها هو صيد ثمين للانهزام النفسي، مهما ظن أنه في عصمة ومنعة، وأن طوق النجاة هو العمل والسعي لكل خير بكل جهد وطاقة، طالما أن المسار واضح والعاقبة والمثوبة نبتغيها من الله. فضلاً عن أن هذا باب من أبواب الخير والعمل الصالح، فكم هو محزن أن يفضل المرء البطالة الدعوية أو الفكرية على العمل لدينه ورفعته.