المثبطون في كل زمان
حين يجدّ الجد، وحين تدور الدائرة على المسلمين، وحين يشتدُّ الأمر على الفئة المؤمنة القليلة التي تواجه أهوال تكالب الكافرين عليها، فيعانون من الحصار الشديد لأهل البغي عليهم، يبحث المؤمنون عن إخوان لهم من بني جلدتهم، ينادونهم لِمَ لمْ تخرجوا معنا؟ ولِمَ لا تساعدوننا؟ ولم تتركونا في المواجهة وحدنا؟ ولم لا تُقَوّون ظهورنا؟ ولم لا تمدوننا بعون تكثير سوادنا، أو بسلاح، أو حتى بغذاء، أو تخلفوننا في أهلنا؟
إن من يريد الجهاد لا ينتظر تكليفاً، ولا ينتظر دعوةً أو نداءً أو استغاثة ، الحقيقة أن هؤلاء الذين ينتظرون النداء هم سمة كل زمان، فيهم نزلت آيات ربنا؛ ليحذرنا منهم، ويعلّمنا عنهم ما لا نعلم بطبيعتنا البشرية التي لا تعرف الغيب، هؤلاء موجودون في كل أمة، يحملون أسماء أبنائها، ويدينون ظاهراً بنفس الدين، لكن الله عز وجل أعلم بما في قلوبهم، وأعلم بما يمثلونه من فتنة وسط الصفوف، فثبطهم ليقعدهم ويطهّر الصفوف منهم.هؤلاء -وإن كثروا- لا يريدون للمؤمنين خيراً، شأنهم في ذلك شأن أعداء الدين، يأكلون على كلّ الموائد، ومصلحتهم في استمرار الفساد وهزيمة المؤمنين، يتقوتون الحرام، ويتمسحون في أحذية الحكام، ويفضّلون العبودية للبشر، والكسب السريع، وإيثار السلامة على العبودية لله تعالى، والسفر البعيد الشاقّ وانتظار أجر غير مضمون بنظرهم؛ لانتفاء الإيمان في قلوبهم، يقول الله عز وجل فيهم في سورة التوبة: {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}.
هؤلاء -وإن كثروا- لا يريدون للمؤمنين خيراً، شأنهم في ذلك شأن أعداء الدين، يأكلون على كلّ الموائد، ومصلحتهم في استمرار الفساد وهزيمة المؤمنين
هم يبحثون عن المغنم الدنيوي السريع؛ لعدم ثقتهم بالمغنم الأخروي الآجل، ولعدم ثقتهم في نصر المؤمنين، ولعدم ثقتهم فيما عند الله، هؤلاء لا ينتظرون داع، فمن يريد الخروج يعدّ له العدة: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [سورة التوبة:46].
المؤمن عونه عند الله وحده
فلا يجب على المسلم أن يحزن على المرجفين لعدم خروجهم ، فكم من ثورة وقف في سبيلها من المستضعفين، لكن هوان قلوبهم وضعف إيمانهم جعلهم يقفون بجوار جلّاديهم في وجه من يريد بهم ولهم الخير، خروج هؤلاء ليس عوناً للمؤمن وصاحب الحق، بل يمثّل خروجهم فتنة وزعزعة للصف المؤمن وإضعافاً له، قال تعالى: {لَو خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } [سورة التوبة:47].هؤلاء هم سبب الفرقة، ويتمنونها ويحرصون عليها، هم سبب القلاقل والفتن وتخذيل المسلمين، ونشر الذعر واليأس في صفوفهم، والمسلمون فيهم الضعيف والخائف، لهم يستمعون وبهم يتأثرون، فخروجهم خسارة لكم، فثبطهم الله وأقعدهم مع النساء والأطفال، بل في زماننا النساء خير منهم!
وها هي نساء المسلمين في كل بقاعها تخرج وتجاهد وتثور وتذود عن الدين، رغم الموت الذي يحيطها من كل اتجاه، ورغم شدة ما تلاقيه من فقد للابن والزوج والأب، هؤلاء هم الفتن، فلا تعولوا عليهم، هؤلاء يحسنون قلب الحقائق، فيُصوّرون للناس -زيفاً- الحق باطلاً والباطل حقاً، يحسنون صناعة الكلام والتماس الأعذار، يتهمون المجاهدين بالفرقة وهم سببها وصانعوها، وذلك تاريخهم في كل زمان، قال تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)}[سورة التوبة].
هؤلاء لا يقبلون للمؤمنين نصراً، بل ويسعون لهزيمة الحق، ويتحالفون مع عدوه؛ لتفتيت صفوف المؤمنين، يحملون رايات زائفة تحت أسماء خادعة، مبادرات واصطفاف، وحقن الدماء، وتوحيد صفوف المؤمنين وكلمتهم، وهم لا يرون أن الله كاشف زيفهم ورادُّ كيدهم، قال تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 51)} [سورة التوبة].
على المسلم المجاهد، ألا ينتظر عوناً إلا من الله، ولا يلتفت لقوم لو أرادهم الله لأتى بهم. عليه أن يعدَّ نفسه؛ امتثالاً لأمر الله تعالى
فعلى المسلم المجاهد، ألا ينتظر عوناً إلا من الله، ولا يلتفت لقوم لو أرادهم الله لأتى بهم. عليه أن يعدَّ نفسه؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم}[الأنفال، الآية: 60]، فسنة الله جارية على الجميع ولا تحابي أحداً، ومن حسن الظن بالله أن نأخذ بسننه كاملة، فسنن الله ماضية غالبة، فأعدّوا أنفسكم في الأرض، ثم التمسوا العون للتوفيق من السماء .
إن ما يحدث ببلاد المسلمين، في كل شبر فيها، يحتاج لعزيمة كالجبال بأفراد الصف الإسلامي، كل منهم يستشعر خطورة الوضع ويبدأ بنفسه، وكأن الطريق ليس إلا به، يعدها ويجليها ويرتقي بها؛ ليسد ثغرة منوط به سدها، كلنا عن ديننا مسؤولون، وأمام الله سنقف فرادى، يسألنا سبحانه: ماذا قدمت لدينك حين خذله الناس؟! فلنعد من الآن جواباً.