حلم جميل.. فمتى يتحقق؟

الرئيسية » خواطر تربوية » حلم جميل.. فمتى يتحقق؟
muslim17

حلم جميل ذاك الذي ترى فيه أن المسلمين يحترم بعضهم بعضاً، وتنخرط الجماعات الإسلامية في إطار جامع يوحد جهودهم المبعثرة، ويؤلف بين قلوبهم المتنافرة، ويحيي فيهم فريضة التعاون الغائبة.

يعد كثيرون هذا الحلم أضغاث أحلام لا تأويل لها ولا سبيل إلى تحقيقها.. ولست متحمساً كثيراً لقولٍ خلاف قولهم، إلا أن الواقع يدفع قليلاً صدر اليأس ببصيص أمل يجعلنا نتفاءل ولو نزراً يسيراً بأن جزءاً من هذا الحلم على الأقل يُرجى أن يصدق ويتحقق.
لو أننا تفكرنا قليلاً في صلاة الجماعة، وكيف أن المسلمين على تعدد توجهاتهم وانتماءاتهم يقفون صفاً واحداً خلف إمام واحد، إذا كبّر كبروا، وإذا قرأ أنصتوا، وإذا ركع ركعوا، وإذا سجد سجدوا.. كلهم يؤدون حركات واحدة، ويتنقلون من ركن إلى ركن؛ في صورة رائعة تمثل لنا توافق المسلمين على غاية واحدة، وهي إرضاء الله تعالى، وتوحدهم في الوسائل أيضاً باتخاذهم إماماً واحداً لا يصدرون إلا عن أمره.

صحيحٌ أن هذا هو ظاهر الأمر، وأن كثيراً من قلوب هؤلاء المصلين قد تكون شتى، إلا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالاستدامة على الصلاة ذات الخشوع والتذلل للرب المعبود سبحانه، كفيلة بأن ترقق هذه القلوب وتقرّبها من بعضها البعض شيئاً فشيئاً .

إيه لو أن هؤلاء المتوجهين إلى قبلة واحدة؛ يتفكرون في قوله تعالى الذي يرددونه في كل ركعة: "اهدنا الصراط المستقيم".. فهو صراط واحد يسلكونه معاً، وتتفق كلمتهم عليه، لأنه لا يقبل الخلاف والاختلاف، فهو قطعي في دلالته، قطعي في ثبوته، لا تختلف في دلالته الأفهام، ولا تتردد في إثباته العقول، ولهذا كان صراطاً واحداً لا يمكن في حال أن يتفق المسلمون على غيره.

لو يدرك المسلمون هذه الحقيقة لسقطت نصف خلافاتهم.. حقيقة أن الاتفاق على الظنيات لا يمكن أن يكون له مكان في واقعهم، وأن الإعذار في الظنيات وعدم التهاون في أمر القطعيات هما سبيل الاعتصام والتلاحم.

لو يدرك المسلمون أن الاتفاق على الظنيات لا يمكن أن يكون له مكان في واقعهم، وأن الإعذار في الظنيات وعدم التهاون في أمر القطعيات هما سبيل الاعتصام والتلاحم، لسقطت نصف خلافاتهم

وأما النصف الثاني الذي يسقط به الخلاف، فهو التربية الإيمانية التي تصقل النفوس على نبذ الكبر والعجب والغرور والتعالي .. التربية التي تحقَّر فيها الأنا، ويُعظَّم فيها حق الأخوة في الله.. تلك الأخوة التي يجلي دواعيها الإمام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين": "إذا كان الله قد رضي أخاك المسلم لنفسه عبداً؛ أفلا ترضى أنت به أخاً؟ فعدم رضاك به أخاً وقد رضيه سيِّدُك الذي أنت عبده عبداً لنفسه؛ عين الكبر، وأيّ قبيح أقبح من تكبُّر العبد على عبدٍ مثله، لا يرضى بأخوته وسيِّدُه راضٍ بعبوديته".

يا ليت جماعات المسلمين تقف مع نفسها وقفة محاسبة، تتفكر فيها بكلام ابن القيم السالف ذكره، وتجعله شعاراً لها، وميزاناً لعلاقاتها فيما بينها.. وإلا..

إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم

و"من نوقش الحساب؛ عُذِّب"، وفي رواية: "هَلَك".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وصحفي في جريدة "السبيل" الأردنية، باحث في شؤون الحركات الإسلامية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …