في مطلع مارس الحالي فوجئت جميع المدارس المصرية بقرار وزاري يأمر بتشغيل أغنية "قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه" لقوات الصاعقة المصرية فى طابور الصباح يومياً، بزعم بث الروح الوطنية لدى الطلاب.
بالطبع تم تنفيذ الأمر دون نقاش حتى لا يُتهم من يناقش أو يتكاسل في ذلك بالتواطؤ والخيانة والانتماء لأجندات تعمل على زعزعة أمن واستقرار الوطن و.. و.. و.. الخ.
لقد تم تمرير القرار بعقلية ( تنفيذ الأوامر حتى ولو كانت غلط ) وعقلية ( نفذ وبعدين اتظلم ).
تم تنفيذ الأمر في الحال فما رأينا سوى (تشنجات وانفعالات وابتسامات من الطلاب والطالبات) بينما يقف كل معلم وطني غيور مغلوب على أمره لا يريد أن يكون هو (كبش الفداء) ولا أن يتهم بالتمرد ومخالفة التعليمات.
وسط هذا الارتجال والعشوائية و"التشنجات والانفعالات" نسي الطلاب النشيد الوطني المتعارف عليه، السؤال هنا ..
هل المقصود امتهان النشيد الوطني ونسيانه؟
هل المطلوب إحلال وتبديل وعسكرة المدارس؟
هل مظاهر الوطنية تُختذل في هذا الجعير وهذه السرسعة ومن يعترض يلقى عقابه؟
إن الوطنية المطلوب غرسها في طلابنا هي الغيرة على الوطن وترابه فهماً ووعياً وجغرافياً وتاريخياً.
إن الوطنية تكون بغرس حب العمل والإنتاج والتفاني في خدمة الوطن والغيرة على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه.
إن الوطنية تكون بالتفوق والإنجاز والإبداع ليظل إسم الوطن موجوداً في كل المحافل الدولية.
إن من قرأ تاريخ طلاب مصر الوطني يدرك أن ما يتم في المدارس ما هو إلا ضرباً لوطنية الطلاب في مقتل.
على مر تاريخ مصر الحديث، كان للحركات الطلابية الدور الأبرز في صد الظلم الذي يطول المجتمع المصري عامة والطلابي بشكل خاص، بداية من الإنجليز ووصولاً إلى الصدامات بين الأنظمة المتتابعة التي تولت قيادة الدولة.
اقرأوا عن انتفاضة الطلاب عام 1935 ضد الإنجليز والتي كانت الشرارة الحقيقية لعصر جديد من النضال وظهور وجه آخر للطلاب أمام الأنظمة الحاكمة.
اسألوا كوبري عباس عن انتفاضة طلاب الجامعات وطلاب المدارس يوم 9 فبراير 1946 حيث حدثت اشتباكات عنيفة بين الطلاب وقوات البوليس التي فصلت المتظاهرين إلى قسمين بعد أن فتحت الكوبري ليسقط من عليه في النيل وأسفرت الاشتبكات عن سقوط نحو 28 شهيدًا وأكثر من 400 جريحًا فانتقلت الأنباء إلى عدة دول عربية منها سوريا والسودان والأردن ولبنان لتعلن جميعها إضرابًا عامًا تضامنًا مع إنتفاضة الطلاب المصريين.
اقرأوا عن خضوع السلطات في ذلك الوقت لمطالب الطلاب وقيام فاروق بتغيير وزارة النقراشي - الذي كان رئيساً للوزراء ووزيراً للداخلية في نفس الوزارة والذي أشارت إليه معظم أصابع الاتهام فيما حدث على كوبري عباس - وتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة إسماعيل صدقي في 16 فبراير 1946، وهو المتمرس في قمع الحركات الوطنية أيضاً.
اقرأوا عن التحالف الطلابي بين جامعتي القاهرة والأزهر الذي تطور حتى أصبح إضراباً شمل جميع الهيئات عن العمل بقيادة الحركات الطلابية.
اسألو ساحات جامعة القاهرة التي تحولت إلى معسكر تدريب على الأسلحة وإرسال كتائب طلابية إلى منطقة القناة اعتراضا على ممارسات الانجليز.
رحل الانجليز عن البلاد وحاول أذنابهم احتواء الطلاب وتسيس أنشطتهم غير أن الشرفاء من الطلاب لم يرضخوا لذلك وكانوا شوكة في حلوق الرؤساء المتعاقبين عبدالناصر والسادات ومبارك الذين نكلوا بالطلاب وعاقبوهم بالمحاكمات العسكرية وبالفصل من الدراسة وغير ذلك من العقوبات التي ظنوا أنهم بذلك سيكمموا أفواه الطلاب ولكن كان للطلاب رأياً آخر فلم تمر قضية تتطلب الدعم الطلابي إلا وكان لهم وجوداً ظاهراً وخاصة قضاياً الظلم والقضية الفلسطينية.
بعد ثورة يناير وأثناء عام الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي سادت أجواء الحرية المجتمع الطلابي وعرفت الاتحادات الطلابية الانتخابات بعد توقف استمر حوالي 30 عاماً كما نجح الطلاب في إخراج الحرس الجامعي من الجامعات وتم كذلك انتخاب اتحاد طلاب مصر الذي كان له رأياً في كل ما يُتخذ من قرارات وما يثار من قضايا.
بعد الانقلاب العسكري كان الطلاب هم أيقونة المعارضة ضد الانقلاب مما أسفر عن اقتحام الجامعات والتنكيل بالطلاب بكل صور التنكيل والزج بهم في السجون ومحاكمتهم عسكرياً لجعلهم عبرة لكل طلاب الجامعات ولغيرهم من الشباب.
بعد هذا العرض السريع والموجز لتاريخ طلاب مصر النضالي والوطني نستطيع أن ندرك لماذا كل هذه المحاولات للنيل من وطنية الطلاب وتنحية النشيد الوطني المتعارف عليه دولياً واختزاله في نشيد عسكري بحت كتب بلغة عامية لا يرقى أن يكون بديلاً للنشيد الوطني ولا يرقى لمستوى رفع الروح الوطنية كما يزعمون .
وختاماً: يُحكى أن رجلاً اسمه سعد انتدبه أخوه ليرعى الإبل وكان سعد هذا لا خبرة له ولا دراية فكان إذا أورد الإبل الماء لبس شملته وليس تحتها ما يواري سوأته فكلما انحنى ظهرت عورته فخاطبه أخوه قائلاً:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ••• ما هكذا تُورد يا سعدُ الإبل