تحدّثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن #الإلحاد كتعريف، وأسباب انتشاره في المجتمعات الإسلامية والعربية، وخصوصاً بين شريحة الشباب، وذكرنا مقوّمات الانتشار المتعددة ما بين الظلم والاضطهاد، مروراً بغياب المربي القدوة، ووصولاً لخطورة عالم النت المفتوح الذي يسبب انجراف الشاب في التغريب والانبهار، خصوصاً مع غياب الثوابت الحقيقية العاصمة من الانجرار في بحر الشهوات، واليوم نصف الدواء للوقاية من تفشّي هذه الظاهرة بخطوات عملية تربوية صحيحة.
أولاً- الاستنارة العقلية:
فلا شك أن العقل هو مناط التكليف، وعليه فإنه مصدر التلقي المتوافق مع المنهج الحنيف، والذي يثبت به العقل والقلب في الاستمرار في مسار التفكّر والإبداع في الكون، والسعي وراء كل جديد يعمّق في القلب والعقل معاً عظمة الخالق، وإبداعه في كونه، بدلاً من السعي وراء كل متفلسف طاعن في الكون وخالقه.
ثانياً- التواصل الصادق:
إن الشباب اليوم في أمسّ الحاجة لمن يرشدهم ويدلهم عن الخير، وإلى من يرسخ فيهم الفهم السليم للدين والحياة، ولمن يزيل شبهاتهم، ويؤكد حقيقة الإيمان في أفكارهم، ويكشف لهم الممارسات الفلسفية الخاطئة للمستشرقين، حتى يزول الانبهار الزائف بهم، لكن الخطر كل الخطر أن يتصدى من ليس أهلاً لتوصيل المعلومة أو أن يكون غير متخصص.
إن الشباب اليوم في أمسّ الحاجة لمن يرشدهم ويدلهم عن الخير، وإلى الفهم السليم للدين والحياة، ولمن يزيل شبهاتهم، ويؤكد حقيقة الإيمان في أفكارهم
فجراح أمتنا عميقة، وشبابنا يتعرض لموجات إباحية وإلحادية على مدار الساعة، ويرى ويسمع ويطلع ويجادل، لذلك فالأمر جد خطير، وعلى الجميع استنفار طاقاتهم حتى ننجي ونلحق شبابنا من الإلحاد وآثاره.
ثالثاً- البيت ودوره:
إن البيت هو الحاضنة التربوية الأولى، وقديماً قالوا: "إن المحب لمن يحب مطيع"، وعلاقة الأب بولده الشاب -الذي تتصارع الأفكار في عقله وقلبه، وسط موجة عاتية من الفساد تستهدفه؛ لتخرجه عن الصراط المستقيم- علاقة غاية في الأهمية، ولست أبالغ إن قلت إن العاصم لكل ضياع وسقوط للشباب، بل للأمة هو البيت بما فيه من أم وأب. لذلك فالتوارث الحميمي، وصدق الحب وليس صدق الإنفاق، هو الأساس، عندها يقدّم الوالد قيم الإسلام كنموذج واقعي عبر التعايش الصادق بكل خبرة حياتية، وحرص أبوي، وحب متجرد، وفهم للحياة، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
رابعاً- الإعلام:
إن المسؤولية التاريخية والأدبية تقع على الإعلام كوسيلة بناء للعقول، فالتلّقي والإلقاء، والبرامج والنقاشات دوماً ما تؤسس لعقل إما صالح أو طالح، لذلك فعلى الشاب أن ينتقي ممن يتلقى، ويختار الأفضل ممن يشاهده، ويتقي الله في ذاته أولاً، ويعلم بأن نظر الله إليه أسرع، وأن عالم النت كوسيلة تواصل وإعلام شامل هي في الأصل لتطوير النفس والرقي بها، لا لتقييدها بالشهوات.
خامساً- المؤسسات التعليمية:
ذكرنا سابقاً أن التعليم مستهدف، وأن هناك حرباً على التعليم؛ لنزع كل ما يدعو للفضيلة والعفة، فضلاً عن الجهاد، وتهذيب النفوس، والعلاقة مع الله، لذلك فتطهير المناهج من الإفراط في العلماء الغربين، وآرائهم الإلحادية الفلسفية هي أول خطوة نحو عقل سليم نظيف، يتلقى ما هو جديد، يضيف لقلبه وعقله، ثم حتمية الإفراط في كل ما يؤكد حقيقة الفهم السليم للدين، وعظمة الخالق سبحانه، وكل هذا لن يتأتى إلا بإرادة حقيقة تريد للشباب النجاة والاستقرار.
تطهير المناهج من الإفراط في العلماء الغربين، وآرائهم الإلحادية الفلسفية هي أول خطوة نحو عقل سليم نظيف
سادساً- المحراب يافتى:
إنني ومن واقع سني الشبابي، أنصح كل شاب أن يكون بينه وبين ربه علاقة خاصة، محراب يلوذ به، يلح على ربه أن ييسر له الأمور، ويزيل له الكروب، ويصحّح له مسار أفكاره، فالله هو الأحق باللجوء إليه، والحب، وكلما كانت علاقتك بريك قوية كان قلبك مطمئناً، وعقلك متزناً، وروحك تسمو في عالم الإبداع والحياة الحقيقة، حياة العبودية الصادقة لله المنعم.
ختاماً، أخي الشاب، هذه بعض مقوّمات الاستقامة العقلية والقلبية، خطوات عملية وعلمية، الدافع الوحيد لها هو الحرص والحب، فلا تبخل على نفسك وتتكاسل عن تطويرها، وفق مراد الله ورسوله، وإياك والانبهار المزيف بالعقول المتحجرة التي تأبى الانصياع لخالقها، بدعاوي التحرر والتمدن الحضاري، فعلاقة المرء بربه هي أصل كل تحرّر وتقدم ونهضة للعقول والقلوب.