كيف تدير نومك بمرونة؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف تدير نومك بمرونة؟
Alarm clock in the middle of the night insomnia

غالبنا يحاول دائمًا التحكم في أوقات نومه أو تثبيت توقيتها، لكن ماذا لو كان نظام حياتك وظروف متطلباتها مما لا يعين على تلك الحَدّية، كالعاملين من المنزل أو في أعمال حرة؟ هنا ينفع كثيرًا فهم الجوانب الوجودية والفسيولوجية للنوم بما يعين على الحفاظ على جودته النوعية وإن اختلفت حساباته الكَمّية، وهذا ما نسلط عليه الضوء في السطور التالية:

بداية: ما الحكم الربّانية في تقدير عملية النوم وحاجته للمخلوقات؟

1. لأن النوم آية من آيات الله تعالى ودليل من دلائل ملكه وسلطانه، فهو وحده سبحانه لا تأخذه سِنة -أي غفوة- ولا نوم. أما كل المخلوقات فلا بد لها من الخضوع لسلطانه آخر المطاف مهما قاومت، فتبارك الله رب العالمين!

2. النوم أراده الله لعباده رحمة؛ ليكون سُباتا أي سكينة، فبهذه السكينة تتجدد طاقتهم تلقائياً؛ لتعينهم على المعاش والنشور إذا كتب الله لهم أنفاساً بعده، فهو عون على العزم والسعي لا مُقعد عنهما.

3. وهو موت أصغر ترقى فيه الروح لبارئها، فإن كانت روحاً مؤمنة فنومها روضة وعبادة، ومن ثم كانت له إعدادات وأذكار مخصوصة؛ لأنه في حقيقة الأمر إعداد للقاء مصغر بالله، لكننا مع الأسف لا نستشعره ولا نستحضره تذكرة ليوم نوم لا نشور بعده ولا حياة حتى قيام الساعة.

فهم هذه الجوانب الثلاثة للنوم كما أراده موجده تبارك وتعالى، يجلي التصورات الخاطئة له والتي أكثرها شيوعاً أنه عدد ساعات محددة، من قلّ عنها أو تجاوزها لا يُؤتَى ثمارها. فإننا لنعلم من سير العلماء والأئمة من كانوا لا ينامون الثماني أو التسع ساعات التي أقرتها منظمات الصحة، وكانوا أوفر أبداناً وصحة وأيقظ عقولاً وأصفى نفوساً على قلة نومهم! بل إن الله تعالى يصف المقربين بأنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون.

ذلك أن ثمار النوم من الراحة والنشاط هما في الأصل بركة وهبة من الله تعالى لمن صدق استجلابها، وذلك يكون بـ:

1. اتباع هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام وسننه: من الوضوء قبله وقراءة أوراد النوم من سورة الملك والكافرون والمعوذات وكافة الأذكار، ثم النوم على الشِّق الأيمن، واستحضار دعاء التقلب في الفراش لمن يتنبه ليلاً، فالذي ينام وقلبه معلق بالله، لا يستوي في المردود ومن ينام وقلبه معلق بالوسادة ومعاشه في اليوم التالي!

2. ومن جهة أخرى، لابد من الأخذ بالأسباب الفيزيائية كما الروحية، تعبداً لله تعالى في الحالتين. فإن الله تعالى ما جعل أمراً إلا وله سبب من أخذ به يرجى له التوفيق والسداد بإذن الله تعالى.

تاليًا: الفهم الفسيولوجي لعملية النوم يتجلى على النحو التالي:

1. يمر النائم بثلاث مراحل في المتوسط، المرحلة الأولى تستغرق حوالي عشر دقائق، والثانية عشرين دقيقية، والثالثة وهي النوم العميق. من مجموع المراحل الثلاثة تتكون "دورة النوم الكاملة"، وتستغرق حوالي تسعين دقيقة أي ساعة ونصف. فإذا ضبطت المنبه أو حاولت النهوض قبل إتمام تلك الدورة، أو في منتصف دورة جديدة، هنا تبدأ صعوبات التنبه. لذلك يفيد أن تتنبه لضبط مواعيدك بحيث يكون عدد ساعات نومك موافقاً لنهاية دورة كاملة.

2. ومدة النوم السوية لأداء حق الجسم واحتياجه، تعني تكرار الدورة الكاملة، بدءاً من (3 أو 4 مرات) كحد أدنى وصولاً إلى (6 أو 7) كحد أعلى. أي بمعدل:

(1.5 دورة نوم كاملة × 3 مرات = 4.5 ساعة) كحد أدنى، لمدة نوم متصلة يمكنك الاستيقاظ بعدها. وبالتالي إذا نمت مثلاً خمس ساعات، فكأنك تنهض من بعد بداية دورة نوم خامسة. فإما أن تحسب ساعات النوم المتصلة (4.5 أو 6ساعات).

3. هذا يفيد في إمكانية تقسيم وقت نومك على فترتين بدل فترة واحدة بالذات في رمضان، فلا تضطر للسهر المتواصل الذي يجور على صفاء القيام والفجر وأوارد النهار، أو ضبطه على فترة واحدة متكاملة في غير رمضان من أول الليل حتى قبيل آخره.

4. فإذا نمت في أول الليل مثلاً ثلاث ساعات، فهذا معناه أنك حصلت على دورتي نوم (كل واحدة 1.5 س) من أصل ست دورات هي حق جسمك عليك، يتبقى لك ثلاث دورات نوم = (1.5 × 3 = 4.5 ساعة) يمكنك أن تنامها بعد الضحى أو في القيلولة.. وهكذا.

5. كذلك إذا شئت أن تقيل قبيل الظهر أو بعده، فلتكن قيلولتك في حدود ثلاثين دقيقة إلى ساعة، ولا تزد عن الساعة والنصف إذا كنت ممن ينامون فترة واحدة.

6. جرب وسجل وتتبع عادات نومك.

المراد بكل هذه المعلومات هو "المعاونة" على ضبط ساعتك البيولوجية، لكن في الأمر مرونة إلى حد معتبر بحسب حال كل جسم وطبيعة نشاطك. لذلك استعن بهذه المعرفة في تسجيل عادات نومك وتتبعها، كم ساعة متصلة تحتاجها لنوم يمكنك الجلوس فترة بعده؟ وفي مقابل كم ساعة نوم تحصل على كم ساعة يقظة تقريباً؟ وما أكثر الأوقات التي تخمل فيها؟ هل هي مرتبطة بطول اليقظة أم بكثرة الأكل أم بركود الهواء حولك؟ فليس كل خمول هو دعوة للنوم، بل ربما يكفي تجديد النشاط بتمشية أو عمل ما.

وأعط نفسك مهلة أسبوع تجرب وتوازن بين مختلف الطرق.

المراد بكل هذه المعلومات هو "المعاونة" على ضبط ساعتك البيولوجية، لكن في الأمر مرونة إلى حد معتبر بحسب حال كل جسم وطبيعة نشاطك

اجتهد أن تكوّن نظام نوم ثابت يصلح لغالب نظام حياتك، والعبرة فيه بأن يكون معيناً لك على اليقظة والصفاء الذهني، سواء اتصلت مدته أم انفصلت، واجتهد أن تداوم عليه حين توفق إليه، فتنام في موعدك وتستيقظ في موعدك ولو في إجازة. ويمكن أن تجعل لك يوماً كل أسبوعين تنام فيه بغير ضبط منبه، وتترك لجسمك النهوض متى استراح، فهذا مما يجدد النشاط ويعوض نواقص نوم متراكمة.

وحين تغمر اليقظة الفكرية والتنبه النفسي نظام حياتك بأكمله، ستجد نفسك تستيقظ تلقائياً مع الوقت بدون منبه خارجي، خاصة لو أنك ممن يتبعون الهدي النبوي من النوم المبكر والاستيقاظ المبكر والقيلولة بينهما.

حين تغمر اليقظة الفكرية والتنبه النفسي نظام حياتك بأكمله، ستجد نفسك تستيقظ تلقائياً مع الوقت بدون منبه خارجي

أفضل أوقات النوم من الهدي النبوي.

1. نصف الليل الأول من بعد العشاء يعين على قيام الثلث الأخير والذكر بعد الفجر، فعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها( (رواه البخاري).

2. القيلولة بين الظهر والعصر.

3. أو من الساعة العاشرة تقريباً حتى الظهر.

أوقات مكروهة للنوم (يخشى من انعدام بركتها).

1. بعد صلاة الفجر مباشرة (وقت تقسيم الأرزاق وأوراد النهار)

قال ابن القيم: "المكروه عندهم (أي الفقهاء) النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر".

2. بعد صلاة العصر، كرهه أهل العلم من الناحية الطبية، ولأنه وقت الدعاء المستجاب وأوراد المساء، لكن لم يثبت في كراهته مانع شرعي.

3. بين المغرب والعشاء؛ لما في الصحيحين عن أبي برزة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها) (رواه البخاري ومسلم). قال النووي رحمه في شرحه: "قال العلماء: وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة. وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا..." ا.هـ.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • النفس
  • النوم
  • مراجع ومصادر

    • http://www.helpguide.org/articles/sleep/how-to-sleep-better.htm
    • http://www.helpguide.org/articles/sleep/how-much-sleep-do-you-need.htm
    • http://productivemuslim.com/ramadan-series-master-your-sleep-this-ramadan-part-1
    اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …