لماذا عندما نسمع بالحلال و الحرام لا نعمل بهم في الكثير من الأحيان؟؟.. للأسف هناك فجوة كبيرة بين معرفة الواجب علينا و تنفيذه أو التصرف على أساسه، فما السبب؟ أليس لنا عقل ناضجٌ يعرف ماذا يجب أن نفعل؟؟
حقيقةً ليس العقل وحده بالمعادلة و ليس هو الغالب فيها، فهناك هوى النفس، و الشهوة، و وسوسة الشيطان.. و الإيمان.. ذلك الذي يترجم الحلال و الحرام لأفعل أو لا أفعل..
و من أكثر الأشياء التي تصيب ميزان الإيمان بداخل القلوب -و تسبب فيها من سيحملون وزرها- هو استخدام نقطة الترغيب وحدها في الدعوة، إن الله جميلٌ يجب الجمال و الدنيا حلوة مزهرة و الجنة مضمونة، فقط!!
فعندما تثبت هذه المفاهيم غير الكاملة بداخل أحدنا يكتفي بأقل القليل في الدين، و عندما يسمع عن الحلال و الحرام يوافق القول و يعجبه، و لكن عند الفعل فلا حياة لمن تنادي، و هو يسمع الكلام أصلا هناك شهوة أو لذة متمكنة تجعل ما يعبر أمامه من كلام ليس بالشأن الذي يجعله يستحق التنفيذ.. فيقول هذا حق و قرارة نفسه تقول "لاحقاً أو مرةً أخرى".. و لكن هل هناك دائماً مرة أخرى؟
إذاً ماذا يكسر هذه النقطة؟؟.. إنه التوازن، بين الترغيب و الترهيب و لطالما عندما كنت تقرأ القرآن تجد آيات النعيم و معها آيات العذاب، إنه كلام خالقك و هو أدرى بخلقه.. و فعلا فلو لديك مادة شديدة الأهمية و أنت تحبها لن تذاكر لها و تنجح إلا إذا كنت تعلم بوجود امتحان و أن هناك نجاح و رسوب.
و لذلك كان يقول صلى الله عليه و سلم "أكثروا ذكر هادم اللذات"، لكي تتذكر أن الدنيا فانية ولا يدوم على حالٍ لها شأن، و أن اللذة لحظة و الامتحان باق، و باتنظارك أحوالٌ في القبر، إما نعيم أو عذابٌ -أعاذنا الله-.
و أن الموضوع ليس هيناً، فالشيطان لا يريد تركك لآخر رمق، و يُحكى عند وفاة الإمام أحمد بن حنبل أنه دخل في غيبوبة فلقنه الناس الشهادة و لكنه كان يقول "ليس بعد "، فصُدمَ الناس أيكون أحمد و يكتب له سوء خاتمة؟!.. و لكنه عندما أفاق أخبرهم أنه لم يكن يسمعهم و إنما رأى الشيطان تمثل له و قال " فُتّني يا أحمد" اي أفلتت مني إلى الجنة.. كي يفتنه و ينبت زهرة الكبرِ بداخل قلبه عساها تذهب عمله كله هباء! فكان يقول ليس بعد، لم أمُت بعد.. كي لا يترك فرصةً لهذا السهم.. فهل يتربص لك الشيطان لآخر لحظة و يطلق سهامه أم يقول من الآن " ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد"؟
بالطبع هناك أسبابٌ أخرى كثيرة: منها توفيق الله أو عدمه الذي يأتي بشكل كبير من أعمالنا، و أيضا الإيمان الذي يزيد و ينقص بداخل القلب، و لكن كانت هذه النقطة بالذات نغفل عنها كثيرا فعسانا نفيق و كما قيل:
يا غافلاً و له في الدهر موعظةً إن كنت في سنة فالدهر يقظانُ..
و هذه الدار لا تبقي على أحد من سَرَّهُ زمن ساءته أزمانُ..
و بالطبع هناك من سيقول أن الكلام هنا وقع في فخ الترهيب وحده، حسنا هي إضاءةٌ لتعيد ضبط الميزان و السعيد من اتعظ بغيره.. هدانا الله و ثبتنا جميعا.