ضربت غزة في الأيام الماضية العديد من صور التضحية والصمود، بالإضافة إلى مشاهد أرعبت الكيان بكامل عتاده وجبروته، فتصريحات قياداته المتخبطة كانت خير دليل على أن المسيرة السلمية لقضية عادلة أقوى من جيش عرمرم بيد ظالم.
مسيرة العودة الكبرى السلمية والشعبية والعفوية جاءت رداً على ترامب الذي أعلن مدينة القدس عاصمة للكيان "الإسرائيلي" قبل حوالي أربعة أشهر، الفلسطينيون ردوا عليه بعشرات المسيرات حتى اليوم قبل أن تقوم مسيرة العودة الكبرى في ذكرى الأرض، مما يعني أن المسيرة ستظل مستمرة وتقترب من ذكرى النكبة السبعين ليقول الفلسطيني في وجه الاحتلال.. أنا حي.. وأنت ستموت.
المسيرات تقلق الاحتلال رغم سلميتها
الإعلامية الأردنية والمهتمة بالشأن الفلسطيني الأستاذة آيرس جرار قالت في حديثها لـ"بصائر" إن مما يقلق الاحتلال أن مسيرات العودة الكبرى القائمة على حدود قطاع غزة لا تمثل فصيلاً بعينه أو فئة محددة، بل تعبر عن وطن ومكنون أرض، مشيرة إلى أن هذه المسيرات وحدت جميع فصائل الشعب الفلسطيني تحت راية واحدة هي "فلسطين الوطن".
كما أن وملف العودة تحديدا له تأثير عاطفي سياسي معنوي، وكل فلسطيني داخل الوطن أو بالشتات بكل تأكيد يرفض حتى مجرد طرح فكرة التنازل عن حق العودة؛ فالعودة وطن داخل كل فلسطيني متمسك بأرضه.
وأضافت جرار: أهل غزة تميزوا دائماً بإحيائهم للقضية الفلسطينية وإشعال نارها مثبتين زيف ادعاء الصهاينة بأن "الكبار يموتون والصغار ينسون" فمعظم من يشارك في هذه المسيرات من الشباب والأطفال، وهذا يدل على أن العودة حق متوارث بين الأجيال وسيبقى، وبالرغم من أن هذه المسيرات سلمية والمشاركين فيها هم أشخاص عزل، لكنها تقلق الاحتلال على مستوى محلي ودولي أيضاً وتؤثر على سمعته.
وترى جرار أنه وفي ظل ما تمر به الآن الأمة العربية من تداعيات لما يسمى بـ"الربيع العربي" تراجعت القضية الفلسطينية بالطرح على المستوى الإعلامي، لكن مثل هذه المسيرات وهذه التغطيات تساعد كثيراً بإبراز القضية الفلسطينية مرة أخرى وإعادتها كقضية مركزية، ولمعرفتنا أن الاساس في المنطقة هي فلسطين وقضية فلسطين.. داعية الإعلام للقيام بدوره في مساندة أهل غزة ودعمهم ونشر معاناتهم وصبرهم.
وحول استهداف الاحتلال للشبان المشاركين في المسيرات السلمية بالرصاص الحي تقول جرار إن الاحتلال ليست لديه أية مواثيق دولية أو حقوقية، لكن هذه المسيرات بالفعل يمكن أن تضع الاحتلال في موضع التساؤل أمام الداخل والخارج، فالعديد من المشاركين يرفعون الأعلام ويتظاهرون بسلمية وكان الرد الصهيوني أمام السلمية بالنار!
فن المقاومة أن تتجاوز العوائق وتنشغل بالاحتلال
السياسي الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي قال في تصريحات صحفية إن مسيرات العودة التي تقف على حدود غزة تبرق ثلاث رسائل مهمة، فهي تعيد تقاليد الانتفاضة الشعبية الأولى، وتكبد الاحتلال الخسائر على المستويين المحلي والدولي، معتبراً أن ما يجري في غزة للأسبوع الثاني على التوالي هو عمل يبعث الفخر على مستوى المقاومة الشعبية".
وبين البرغوثي أن الانتفاضة الثالثة تنتهج شكلاً مختلفاً عن الانتفاضتين الأولى والثانية، فهي تقوم على شكل موجات، بدأت في 2015، ثم قامت ثانية في القدس، وهي تقوم للمرة الثالثة في غزة الآن، وها هو الشعب الفلسطيني يستعيد الطريقة الصحيحة لمواجهة الاحتلال، واصفاً الانتفاضة الشعبية بـ"التحول الاستراتيجي" في مقاومة الاحتلال، لما تقوم به من رفع مستوى النضال الفلسطيني، معتبراً أن شكل الانتفاضة الذي نراه في مسيرة العودة هو بذرة ما قامت به القوى الوطنية قبل 16 عاماً عندما خرجت المظاهرات ضد الجدران والاستيطان، واليوم يخرج الآلاف في مشهد وحدة شعبية متينة على الأرض لبناء استراتيجية نضالية صحيحة وليس المراهنة على مفاوضات مع الاحتلال.
واعتبر البرغوثي انتشار المقاومة الشعبية أمراً يحرج الكيان الصهيوني ويضعه في حيرة؛ فهو جيش مدجج بالسلاح ويمتلك أسلحة نووية لكنه لا يستطيع استخدامها أمام أشخاص عزل، وتكرر هذه المسيرات كل أسبوع سيحرج دولة الاحتلال التي تطلق الرصاص الحي على مدنيين.
وبحسب البرغوثي فإن المشاركة في المقاومة الشعبية ستنتقل إلى الضفة الغربية والمسألة هناك مسألة وقت؛ مقراً بوجود عوائق تحجم من قيام مثل هذه المسيرات، موصياً بالعمل على تجاوز العوائق والانشغال بالاحتلال قائلا: "يجب أن لا نسمح للعائق أن يشغلنا عن الهدف الذي هو مواجهة الاحتلال، الفن في المقاومة الشعبية أن تتجاوز العائق وتصطدم بالاحتلال".
وختم البرغوثي حديثه بأن ظاهرة الاعتقالات السياسية يجب أن يتم تجاوزها في الضفة الغربية، وهي ظاهرة مرفوضة يجب تجاوزها والوضع بعين الاعتبار ما يقتل المقاومة الشعبية هو الخلافات الداخلية ويجب أن نركز على مواجهة الاحتلال فقط.
قطع الطريق أمام الاحتلال!
الناشطة الفلسطينية مفاز أحمد يوسف قالت في حديثها لـ"بصائر" إن الفلسطينيين خاضوا كفاحاً مسلحاً باسلاً كفلته الشرائع والقوانين الدولية خلال السنوات العشر الماضية وتمكنوا من التصدي للاحتلال ببسالة خلال ثلاثة حروب فرضت عليهم، مشكلين بصمودهم إنجازاً أحرج كيان الاحتلال.
واعتبرت يوسف أن الاحتلال "الإسرائيلي" يحاول جاهداً إظهار المقاومة الفلسطينية بأنها مقاومة إرهابية، لكنه اليوم يواجه مقاومة سلمية تربك كيانه بشكل ظاهر، وتؤكد على حق العودة من خلال المسيرة الكبرى التي انطلقت في ذكرى يوم الأرض وستستمر حتى الخامس عشر من مايو المقبل وهو ذكرى النكبة، والإعداد لها على قدم وساق في الداخل والخارج، وستكون ذكرى مشهودة في تاريخ النضال الفلسطيني ومعول إفشال الذرائع "الإسرائيلية" التي تحاول تبرير اعتداءاتها على الحراكات السلمية ضد شعب قرر العودة سلمياً لأرضه المحتلة.
مفاز قالت في ختام حديثها لـ"بصائر" إن مسيرة العودة الكبرى تقطع الطريق أمام الاحتلال في شيطنة المقاومة الفلسطينية ووصمها بالتطرف والإرهاب، وستعزز من جهود التضامن مع الفلسطينيين حول العالم، من أجل حقهم في تقرير المصير.