مسيرة العودة وعودة المسيرة

الرئيسية » خواطر تربوية » مسيرة العودة وعودة المسيرة
awdah3

لما دعا الداعون لمسيرة العودة قلت: هو ذاك، دعوة لحراك فلسطيني، دعوة عامة غير محسوبة على حركة أو فصيل، دعوة يدعو إليها الجميع، ويشارك فيها الجميع، تحت لافتة واحدة عامة (فلسطين والعودة)، هذه هي مسيرة العودة وعودة المسيرة؛ عودة المسيرة الوطنية الفلسطينية العامة.

النخب في أي بلد وفي أي صراع وفي أي قضية هي قائدة المسيرة ورائدة التغيير وماكينة العمل والحراك .

لكن أن يظل يضيق الخناق على النخبة يوماً بعد يوم، فبعد حركة النضال الوطني العامة، يضيق المجال وتتغير المعطيات، ليصبح النضال نضالاً إسلامياً (أي محسوباً على الحركات الإسلامية)، ثم يضيق أكثر ليصبح نضالاً لحركة إسلامية بعينها؛ هي القائمة على حركة النضال كلها، وكل الحركات الوطنية والإسلامية بجوارها هي أسماء أكثر منها مسميات.

هنا تصبح الإشكالية كبيرة، وتزيد الهوة بين النسيج الوطني العام وحركة النضال والمقاومة. وهذا هو أكبر خطر يهدد أي قضية نضال وتحرر وطني؛ الهوة عندما تزيد وتتسع بين حركة النضال وبين الناس.

أكبر خطر يهدد أي قضية نضال وتحرر وطني يتمثل باتساع الهوة بين حركة النضال وبين الناس

يلعب الأعداء والخصوم على هذه النقطة، يحاولون جاهدين لإحداث الوقيعة بين حركات التحرر والنضال وبين عموم الناس.
والذي حدث في غزة في عام 2007 هو ذاك، ترك الأمور ليقع قطاع غزة تحت حكم حماس منفردة، ثم حبك المؤامرات لتشديد الحصار وتجويع الناس، حتى يتحول غضب الناس وسخطهم من العدو المحتل إلى الحركة الحاكمة.

والناس محاصرون مجوّعون، والأعداء يفرضون معادلتهم، إما حماس والمقاومة مع الجوع والموت، وإما الاستسلام للأعداء وعملائهم في مقابل الحياة. إلى جانب التشويه لحركة المقاومة يوما بعد يوم، ومحاولة التركيع بعد الفشل في المساومة والاحتواء.

والناس في النهاية بشر، أهم حاجياتهم الطعام والأمان، ويقدم ذلك عند غالبية الناس على المقدسات وحرية الأوطان.

وستظل النخبة دوماً هي الاستثناء من هذه القاعدة، النخبة التي تضحي بحياتها وحريتها في مقابل حياة الأوطان وتحرير المقدسات.

تزيد الهوة يوماً بعد يوم بين الناس وحركة المقاومة تحت ضغط الحصار والتجويع والتشويه، وهنا تكون الطامة التي يُخشى معها أن تضيع القضية برمتها، لأن العدو يقدر على أن يستأصل حركة مقاومة من جذورها مهما كانت قوتها ومهما كان انتشارها، فهي في النهاية حركة محدودة العدد والعدة.

لكن هذا العدو سيعجز دوماً عن استئصال الشعب من أرضه، وذلك مهما بلغ في طغيانه وإيذائه.

العدو يقدر على أن يستأصل حركة مقاومة من جذورها مهما كانت قوتها ومهما كان انتشارها، فهي في النهاية حركة محدودة العدد والعدة. لكن هذا العدو سيعجز دوماً عن استئصال الشعب من أرضه، وذلك مهما بلغ في طغيانه وإيذائه.

أن تنتهي حركة أو ينتهي حزب أو جماعة؛ أمر ليس بالمستحيل، بل إنه حدث حقيقة في بعض البلدان.

أما أن يُستأصل شعب من أرضه بفعل الاحتلال والعدوان فهذا هو المستحيل الذي لم يحدث ولن يحدث.

وبالتالي فإن معركة حركة المقاومة الأكبر هي معركة نشر القضية في عقول وقلوب كل الناس ، حتى يصل اليقين بها إلى درجة يقين حركة المقاومة نفسها، وحينها سيكون الانتصار الحتمي، وهو أمر ليس بالهين.

إن الذي حدث في مسيرة العودة شيء من ذلك، فبعدما كان الحراك حكراً على حركات المقاومة أو يكاد، فهي التي تدعو له وترتب له، وجموعها هي التي تشارك فيه، كان هذا الحراك الذي دعا له وشارك فيه الجميع؛ جميع مكونات الطيف الفلسطيني، وعموم الشعب الفلسطيني .

هنا كانت للحدث رمزيته، بل وكان له زخمه، بل وكان له دويه.

لقد رأيت هذا الحدث بعين الانبهار، وأول ما سمعت عنه قلت: مثل هذا هو ما يقض مضاجع العدو، وهو ما يحطم مؤامرات وصفقات الأعداء والخونة على صخور الصبر والثبات والتضحية للشعب برمته.

في المشهد المصري، لما كانت ثورة يناير، وكانت ثورة شعبية مثلت عموم المصريين، كان الانتصار والنجاح، ولم يستطع العدو الداخلي والخارجي الوقوف في وجهها، لأنها ثورة شعبية، ولا يستطيع عدو أن يقف في وجه الشعب كله، وكما قال الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلا بد أن يستجيب القدر

أما في ثورة رابعة، فقد استأصلها العدو استئصالاً، وأحدث فيها مجازره؛ ذلك لأنها كانت ثورة فئوية، محسوبة على حركة وتيار بعينه، وهنا يستطيع العدو أن ينتصر، وأن يقتل ويسجن، وسيقف العالم كله مشاهداً، بل ومشاركاً وداعماً، وخصوصاً إذا ما كانت الحركة حركة إسلامية والتيار تياراً إسلامياً.

حركات المقاومة الإسلامية هي نبض هذه الأمة الحي، وهي بقية الحياة والعز فيها، لكن القلب لا يستطيع أن ينبض وحده بغير دعم وعون من بقية الجسد ، ولو توقف الجسد عن الحركة تماماً، فسيتوقف القلب ولو بعد حين، لأن بقاءه غير ذي فائدة.

ولا يستطيع الجسد كذلك أن يحيا بغير قلبه النابض، ولو سكت القلب فسيسكت الجسد حالاً، وليس بعد حين.

على حركات المقاومة الإسلامية أن تضخ الدماء في جسد الأمة كلها، حتى تمضي للمعركة قائدة لجموع الناس وليست نائبة عنهم

على حركات المقاومة الإسلامية أن تضخ الدماء في جسد الأمة كلها، حتى تمضي للمعركة قائدة لجموع الناس وليست نائبة عنهم، فمشهد جموع الناس الهادرة من خلف صفوف المقاومة مشهد يكثر السواد ويخيف الأعداء أكثر من مشهد سلاح المقاومة نفسه.

فماذا لو كان الناس معهم، يدا بيد، وبندقية ببندقية، ورصاصة برصاصة، وشهيدا بشهيد.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وشاعر وروائي مصري، مهتم بالفكر الإسلامي والحركة الإسلامية

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …