قصة ووقفات:
وردت هذه القصة في أحد الكتب التي تتحدث عن الحياة الزوجية. إليكم فحواها بتصرُّف:
يحكي أحد مستشاري الحياة الزوجية، أنه تمّ استدعاؤه مرة للإصلاح بين زوجين في خلاف دار بينهما في سنتهما الزوجية الأولى، ويحكي المستشار أنه أخذ يستمع لحديث الزوجة المشتكية أولًا، والتي كان قد أنهكها الحمل، وبلغ منها التعب مبلغه، وأخذت الزوجة تتكلم وتشتكي كثيرًا عن عدم تقدير زوجها لتعبها، أو فهمه لمشاعرها أثناء حملها.
ولما انتهت، التَفتَ المستشار للزوج وطلب منه أن يتحدث هو الآخر عما يضايقه، فما كان من الزوج إلا أن رفض الحديث، وأكّد أنه تَفهَّم ألم زوجته، ثم قال: "هي إن حكت شيئًا فأنا أقدر ظرفها، أما أنا فلا أفضح زوجتي أمام أيّ إنسان، وعلى العموم، أنا تفهَّمتُ شكواها، وسأحاول أن أتجنب ما يزعجها".
فيقول المستشار أنه ما كان من الزوجة إلا أن استدركت الموقف بقولها: "هذا هو الأمر الوحيد الذي آخذه عليه، أنا أريده فحسب أن يدرك أني مرهقة، والله إني لأعترف بأخلاقه الحسنة الراقية وأنه إنسان رائع".
ويردف المستشار أن الزوجين تصالحا بعد هذا الموقف، وتحسنت علاقتهما لاحقاً مع مرور السنوات، وعند هذا الحد تنتهي الحكاية، ولنا ثلاث وقفات تأملية:
الوقفة الأولى- أنتم لباسٌ لهن!
موقف الزوج جاء مميَّزاً، ويمثل القوامة في أروع صورها، فهو لم يغضب من زوجته أو يهينها أمام الآخرين، كما راعى طبيعتها الأنثوية في التعبير عن مكنون نفسها، واحتوى غضبها وانفعالها، وقدَّر إرهاقها من الحمل.
من جهة أخرى، فهو لم يعاملها معاملة الندّ بالندّ، وكانت ردة فعله ذكيّة حين لم يقابل هجومها بهجوم، فمن أكثر الأمور التي قد تشعل الخلاف الزوجي، هو الهجوم المتبادل وتوجيه الاتهامات.
من أكثر الأمور التي قد تشعل الخلاف الزوجي، هو الهجوم المتبادل وتوجيه الاتهامات
الوقفة الثانية- "يكفرن العشير!"
من جهتها، حَرَصَتْ الزوجة على استدراك خطئها بعد أن قامت بتعميم المشكلة وما تعاني منه، فاتجهت لتحديد ما يؤرقها بدقة. وأكّدت بأنها لا تعيب على زوجها شيئاً، اللهم إلا عدم مراعته لإرهاقها، ومثل هذا التحديد للمشكلة في الحياة الزوجية جوهري جداً، حيث يدرأ الكثير من سوء التفاهم، وهو للأسف ما لا تفعله كثير من النساء، فتجدهن يعممن الشكوى، فمثلاً عندما يخطئ الزوج في حق زوجته مرة، نجدها تقول: "أنت دائماً تتأخر، أو أنت لا تساعدني أبداً". والحقيقة أنه لم يتأخر، ولم يقصِّر إلا في تلك المرة، أو ربما في عدد قليل من المرات.
التحديد للمشكلة في الحياة الزوجية جوهري جدًا، حيث يدرأ الكثير من سوء التفاهم
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هكذا تعميمات حين قال: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير".(رواه البخاري). وكفران العشرة، هو نكران الإحسان، فعندما تتضايق الزوجة من زوجها في أمر، تقول: "لم أر منك خيرًا قط!" والصحيح أن تحدّد الأمر الذي يثير حزنها بالقدر اللازم، دون تهويل أو تعميم.
الوقفة الثالثة- {وللرجال عليهن درجة!}
يقول الله سبحانه وتعالى: {ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}[سورة البقرة: 228]. وليس هنا مجال الخوض في تفسيرات ومعاني: {وللرجال عليهن درجة}. وإنما نود الإشارة لواحد من المعاني الراقية وراء هذا الجزء من الآية، والذي يشير للدرجة التي للرجل على المرأة، وهي أداء حقها، وتمريره للمواقف السلبية، وعفوه عن تقصيرها في واجبها نحوه. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "والله إني لا أحب أن أستنصف جميع حقي على امرأتي؛ لأن الله تعالى يقول:{وللرجال عليهن درجة}".
جُعل الزواج سكنًا ومودة ورحمة، ولكن كأي مركب في الحياة، أحياناً تهُبُّ العواصف، فتجرفه يمنة ويسرة ، ولكن إذا كان أصحاب المركب على دراية بالوجهة، وأحسنوا التجديف والقيادة، سار المركب في المسار الصحيح وبلغ الهدف!