ابحثوا عن الرجل الميسِّر لإجراء معاملاتكم!

الرئيسية » خواطر تربوية » ابحثوا عن الرجل الميسِّر لإجراء معاملاتكم!
DSC_0113

جاء في حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه) (رواه الشيخان).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه وسلم: (من فرّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على أخيه المسلم في الدنيا، ستره الله عز وجل يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) (رواه مسلم).

منهاج واضح ودقيق وضعه الإسلام للمسلمين في خدمة بعضهم والوقوف على مصالح الضعفاء، لكن القوانين اليوم مثلت حاجزاً كبيراً أمام سهولة قضاء حوائج المحتاجين من الناس بما لا ينطبق عليهم قانون العامة، خصوصاً في الدول الإسلامية والعربية التي تعاني من أزمات كثيرة اقتصادية وسياسية تمنع المحتاجين حقيقة من الوصول إلى أصحاب القرار، لذلك تبقى فرصة العثور على الرجل الميسِّر هي الحل الأمثل لهؤلاء الناس.

حين تقدّمت لوظيفة لا تخضع لشروط واضحة احتاج الشخص الذي أرسلني إليها أسبوعين للتنسيق مع المدير لمقابلته، فسألته ما المشكلة في أن تتصل به الآن وتحجز موعداً معه، فقال لي: "مديرنا رجل ميسر لطيف، ويتفهم قدرات الآخرين وحاجتهم، لكنه مزاجي، فانتظر اللحظة المناسبة التي يكون فيها سعيداً جراء ربح تحقِّقه المؤسسة، أو مناسبة سعيدة ترتبط به لأحدِّثه بالأمر"، وفعلاً تحقق ما قال ونجح الأمر!

في مدارس علم النفس، يختلف الناس، فهناك من يتعامل مع القانون حرفياً، ولا يهتم لحاجة الناس أو عدم انطباق مواصفات تطبيق القانون عليهم، ومنهم من يتعامل بروح القانون، ويسهل على الناس بما لا يكون فيه مخالفة واضحة تؤثر على مصالح البلاد وأمنها، وكثير من القوانين البسيطة تحتاج تحديثات وتطويراً مستمراً؛ لتتطابق مع حياة الناس، خصوصاً مع دخول التكنولوجيا الحديثة لاستخراج الأوراق أو التسجيل إلكترونياً في كثير من الأوراق التي يحتاجها الناس، وهنا الآلة لا تتفهم حاجة بعض الناس الخاصة، فهي تلتزم بمعايير واضحة تجعل البشر سواسية دون النظر للفروق في الصحة أو الرزق أو الحالة المعيشية التي يعيشونها.

يختلف الناس، فهناك من يتعامل مع القانون حرفياً، ولا يهتم لحاجة الناس أو عدم انطباق مواصفات تطبيق القانون عليهم، ومنهم من يتعامل بروح القانون، ويسهل على الناس بما لا يكون فيه مخالفة واضحة تؤثر على مصالح البلاد وأمنها

وما تزال هناك إشكالية واضحة في التعامل مع القانون أو روح القانون، ومع أن الجميع يخضعون تحت إطار القانون، لكن هناك أناس يعيشون في ظروف سياسية أو اقتصادية أو صحية خاصة، لا يمكن إن طُبق عليهم القانون -كما ذكر بحذافيره أسوة ببقية الناس- أن ينجزوا شيئاً في حياتهم!

في أثناء عمل إجراءات الإقامة في أحد الدول، اصطدمت بموظف حرفي لم يرد التصديق على الأوراق، وقد قضيت النهار بطوله بين المؤسسات الضريبية؛ لإحضار ورقة ضريبية، وأخبرني جميع من في المؤسسات الضريبية التي زرتها أن هذه الورقة غير ملزمة الإحضار، ولا تنطبق على حالتي، وفي كل مرة أعود إلى الرجل الحرفي في مقر الضريبة يخبرني ضرورة إحضار ورقة دفع ضريبية، حتى أصابني الإحباط الشديد قررت العودة في يوم الغد لتصديق الأوراق، ولكن لن أعبر على نفس الموظف.

جاء الغد بعد ليل ثقيل خضت به مع نفسي حرباً ضروس؛ لتخليصها من ورقة الضريبة التي انتظرتها بالأمس، خصوصاً أن معي زوجتي وأولادي وعليّ اصطحابهم لنفس المكان، وحين جاء الموعد قلبت وجوه الموظفين أيهم أكثر سعادة، وأيهم يتحدث مع الناس بطريقة مرنة، وتجنبت الموظف السابق "الحرفي"، وقدمت أوراقي لشاب وسيم بادلته ابتسامة جميلة وحملت طفلي قائلاً له: "سلّم على عمّو"، فبانت سعادة الموظف وأخذ أوراقي جميعها وصدّقها لي بالكامل دون أي استفسار أو إشكالية!

دائماً في كل وزارة أو مؤسسة أو شركة هناك رجل ميسِّر يسهل أمور الناس، دائماً تصاحبه ابتسامة حقيقية يتعامل مع روح القانون وليس القانون حرفياً، علينا البحث عنه؛ لتسهيل أمور حياتنا، لا أقصد هنا تجاوز القانون، ولكن القانون وضع لخدمة مصالح الناس، ومتى عطل القانون الحرفي مصالحنا علينا النظر لروحه لإنجاز مصالحنا، فابحثوا عن الرجل الميسر لإجراء معاملاتكم.

أختم بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم كمنهاج أساسي، وأخلاق عُليا يجب اتباعها من المسلمين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أَحبُّ إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل) (رواه الطبراني إلى قوله: "أنفعهم"، وما زاد فلابن أبي الدنيا).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب صحافي من غزة حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي، متخصص في الشأن السياسي والقضايا العامة، وعمل مع العديد من الصحف والمواقع العربية والأجنبية، شارك في كتاب عن "الأسرى الفلسطينيين" نشر بعدة لغات. أعد مجموعة كبيرة من المقابلات الصحفية والتوثيقية مع مجموعة من صناع القرار والقادة الفلسطينيين، وأنجز مجموعة من التحقيقات الصحفية الاستقصائية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …