كثيراً ما يفكر الإنسان منا في العودة إلى ربه والأنس برحابه والابتعاد عن كل ما يُغضبه ولكن لا يجد لذلك عزماً ولا يجد حوله مُشجعاً يشد أزره ويقوي عزيمته فيُصاب بالوهن والتراخي والعجز والكسل والفتور.
إن الفتور آفة تصيب النفس فيشعر صاحبها بقسوة في القلب، وضيق في الصدر، ووهن في الإرادة، واستسلام للكسل، وعزوف عن العبادة كلها أو بعضها.
قال تعالى: " وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {19} يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ {20} " (سورة الأنبياء).
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى: أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ" (صحيح الجامع).
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في مُحرم؛ رُجي له أن يعود خيرًا مما كان".
إن الفتور هو أحد شِباك الشيطان التي يحاول بها أن يُكبل المؤمن السائر بعزم على طريق ربه لكي يفت من عزمه ويقيد خطواته حتى تخور قواه فيستسلم لحبائل الشيطان ويقع فريسة سهلة يخوض في وحل الشهوات والمنكرات ظناً منه أنها ستكون فترة قصيرة ويُعاود بعدها السير إلى ربه، فلا يجد نفسه إلا راكباً سفينة تمخر به في بحر لُجي من الذنوب والشهوات والتنازلات التي تراكمت بعضها فوق بعض، وقد فقد القدرة على التوقف وكذلك القدرة على العودة، ولم يعد أمامه سوى خيار واحد ألا وهو أن يخوض هذا الغِمار حتى النهاية وهو لا يدري أنه بحر بلا قاع ولا شُطآن.
إن الفتور هو أحد شِباك الشيطان التي يحاول بها أن يُكبل المؤمن السائر بعزم على طريق ربه لكي يفت من عزمه ويقيد خطواته حتى تخور قواه فيستسلم لحبائل الشيطان ويقع فريسة سهلة يخوض في وحل الشهوات والمنكرات ظناً منه أنها ستكون فترة قصيرة ويُعاود بعدها السير إلى ربه
أسباب ومظاهر الفتور في المحيط الدعوي والتربوي:
هنا سنذكر بعض الأسباب التي تخص الفتور في الجانب الدعوي والتربوي مع عدم إغفال أن الجوانب الشخصية لا تتشابه وأن السلوك البشري ليس فيه مُسَلَّمَات ولا فيه ما هو متفق عليه.
1- ضعف الإيمان والركون إلى الدنيا والانغماس في مُلهياتها وملذاتها.
2- ضعف الشعور بالمسؤولية ولا بأن الدعوة إلى الله تعالى فريضة شرعية وضرورة بشرية.
3- عدم ثقة الفرد بنفسه والاعتقاد بأنه لن يُقدم جديداً.
4- الشعور بالانهزامية أمام موجة الظلم والفساد العاتية وأن الظلم والفساد قد ضرب بجذوره في المجتمع ومن الصعب اقتلاعه.
5- ضيق الأفق وحصر الدعوة في مجالات محدودة أو أوقات محدودة.
6- إيثار السلامة خوفاً من الاضطهاد والمضايقات والتضييق.
7- النمطية في أسلوب الدعوة وعدم توفر المجالات المتطورة التي تستوعب طاقات الشباب ومواهبهم.
8- الحاجز النفسي والصورة الذهنية السلبية عن أفراد المجتمع وعن مشكلاته.
9- الميل إلى النقد والجدل وتضخيم الهفوات وإلقاء اللوم على الآخرين هروباً من المسئولية.
10- العشوائية والتخبط وعدم وجود الرؤية الواضحة للوصول للهدف.
11- الاستجابة للنماذج السيئة من المرجفين والمثبطين.
12- النرجسية والتشوف للمسئولية والتعالي على النصيحة.
13- الجهل بالسنن الإلهية في أصحاب الدعوات واستبطاء النصر والظن أن الالتزام الفردي وحده يكفي للنصر والتمكين.
14- الإفراط في دراسة الواقع وتحليلاته دون أن يترتب على ذلك عمل.
15- عدم التشبع بمعرفة قدر وثواب الدعاة وعظم منزلتهم عند الله تعالى.
إن حُسن التشخيص كفيل بالوصول إلى العلاج فإذا كانت الأسباب السابقة هي أسباب الوقوع في آفة الفتور الدعوي والتربوي فإن العلاج يكون باتباع نقيضها.
عاقبة الفتور على صاحبه وعلى المُحيطين به
• صاحب هذه الآفة يفوته من الخير الكثير والكثير دينياً ودنيوياً، فهو يتخلف عن الركب فيسبقه أقرانه ومن هم أقل منه في كل شيء وفي كل مَغنم.
• صاحب هذه الآفة كثيراً ما ينظر إلى من هم دونه ليقنع نفسه أنه مازال على خير وقلما ينظر إلى من هم فوقه حتى لا يعض بنان الندم تأسفاً على ما فاته.
• وصاحب هذه الآفة بفتوره هذا يُظهر المسلمين بصورة لا تليق بهم ويُغري السُّفهاء بالإسلام والمسلمين كما هو حالنا اليوم.
• وصاحب هذه الآفة إن لم يبادر بالتوبة والأوبة يُختم له بسوء الخاتمة والعياذ بالله.
• والأخطر والأنكى أن صاحب هذه الآفة يسُن سُنة سيئة لمن يقتدي به فيحمل من أوزارهم على أوزاره، نسأل الله تعالى العفو والعافية.
إن الفطن والمُوفق هو الذي يعرف مداخل الشيطان فيحترز منها ولا يستسلم لها وهو من يُعِد لهذه النكبات عُدتها من الإيمان والهمة والعزيمة حتى إذا أتته أصابها قبل أن تصيبه واندحر الشيطان مُولياً لأنه قد اقترب من حِمى عبد بربه مُتحصناً وعليه مُتوكلاً وإليه مُنيباً.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك