تنبيهات لقرّاء القرآن في شهر الغفران

الرئيسية » بصائر تربوية » تنبيهات لقرّاء القرآن في شهر الغفران
quran1218

لأن كثيراً من الناس يسعون إلى ختم القرآن في شهر رمضان مرة أو أكثر؛ فإن الواحد منهم إذا فتح المصحف وبدأ بالقراءة؛ يشعرك أنه مشارك في سباق القراءة الأسرع!! فيمر على الآيات مرّ السحاب، ولكنه سحاب لا مطر فيه.

أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه لغايات هي أكبر من مجرد القراءة، وإن كانت القراءة هي الباب الذي من خلاله نلج إلى تحقيق هذه الغايات، فالله سبحانه وتعالى أنزل القرآن للتدبّر ، اقرأ ذلك في قوله جل وعلا: {كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبّروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب} [سورة ص:29]، والتدبّر هو تفكّرك في معاني كلام الله، وتأمّلك في الرسالة التي تريد أن توصلها إليك هذه الآية أو تلك، ومتابعتك سياق الآيات وسباقها للربط بينها وفهمها فهماً سديداً، ثم عرضك أعمالك اليومية عليها لتنظر أين أنت من تحقّقها في حياتك.

التدبّر هو تفكّرك في معاني كلام الله، وتأمّلك في الرسالة التي تريد أن توصلها إليك هذه الآية أو تلك، ومتابعتك سياق الآيات وسباقها للربط بينها وفهمها فهماً سديداً، ثم عرضك أعمالك اليومية عليها لتنظر أين أنت من تحقّقها في حياتك

وكما أن القراءة وحدها ليست كافية؛ فإن التدبر وحده لا يكفي أيضاً، فالغاية من كليهما -القراءة والتدبر- هو العمل والحركة الواقعية التي تُحدث التغيير في النفس والمجتمع.. فقارئ القرآن مطالَبٌ باتباعه، فلا يصلح -مثلاً- أن يقرأ المرءُ قوله تعالى: {ولا يغتبْ بعضُكم بعضاً} [الحجرات:12] ثم ما إنْ يغلق المصحف حتى يبادر إلى غيبة هذا أو ذاك، أو يقرأ قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة:278]، ويمضي في قراءته من غير أن يتذكّر أن له أموالاً في البنوك الربوية، وأن الواجب عليه أن يبادر إلى سحبها في الحال.

الله سبحانه رحيم، هيأ لنا سبُل الرحمة، فبعث الرسل، وأرسل الكتب، وقال لنا في كتابه عن كتابه: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتَّبعوه واتقوا لعلّكم تُرحمون} [الأنعام:155]، فمن أراد الرحمة وسعى لها سعيها؛ فليُبادر إلى اتباع هذا الكتاب وعدم الاكتفاء بتقليب صفحاته الواحدة تلو الأخرى من غير محاسبة أو تغيير.. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: "كان خلُقه القرآن".

من أراد الرحمة وسعى لها سعيها؛ فليُبادر إلى اتباع هذا الكتاب وعدم الاكتفاء بتقليب صفحاته الواحدة تلو الأخرى من غير محاسبة أو تغيير

تخيّل نفسك وقد أصبح القرآن خلُقك! من منا لا يحب أن يكون ذلك الرجل؟

وتأكيداً على ارتباط العمل بالقراءة؛ يقول تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} [الزمر:2] ثم ماذا بعد إنزاله بالحق والعدل؟ {فاعبُد الله مخلصاً له الدين} .. فهذه هي القراءة المطلوبة، قراءة هي في ذاتها عبادة، ولكن إن أحسن العبد أداءها كما أراد الله سبحانه؛ فإنها ستدفعه إلى عبادة الله وحده، والإخلاص له في الدين كله.

وأسمى غايات إنزال القرآن؛ أن يكون هو المهيمن على حياة البشرية كلها ، فالخلق خلق الله، والحكم بينهم لمن خلقهم وعلم ما يصلح شؤونهم، فأنزل كتابه للحكم به، وأمر نبيّه بذلك محذراً إياه من اتباع أهواء الذين لا يعلمون، فقال الحق سبحانه: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكُم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} [المائدة:48].

فعجباً للذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيتلقّطون قوانين الغرب والشرق لتكون هي المهيمن عليهم وعلى شعوبهم، حتى استمرؤوا جميعاً هذا المنكر الأعظم الذي خيّم بظلماته على أرجاء المعمورة، وصار رفع سعر رغيف الخبز يثير من الحنق والغضب والسخط أكثر ألف مرة في شعوبنا المطحونة مما يثيره تطبيق القانون الغربي وإزاحة القرآن الكريم عن مكانه الطبيعي. قال تعالى: {كتابٌ أنزلناه إليك لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم:1]..
وعجباً لأمة يريد ربُّها أن يخرجها من الظلمات إلى النور، وييسر لها أسباب ذلك والطرق الموصلة إليه، ثم هي تصر أن تبقى في الظلمات الحالكة، ويوم القيامة لا تخفى منهم خافية.

وفي هذه الآية الكريمة عبارة لا بد من الإشارة إليها، وهي قوله تعالى: "لتُخرج الناس"، وهذه مهمة أخرى لقارئ القرآن، وهي تبليغ آياته بعد فهمها فهماً صحيحاً، والنبي عليه الصلاة والسلام يحضّنا على هذا التبليغ بقوله: "بلّغوا عني ولو آية".

وهناك أمر آخر قد لا يلتفت إليه قارؤو القرآن في رمضان، وهو أن "الحُذّاق" منهم في غمرة سباقهم على ختم القرآن مرات أكثر؛ يقرؤون القرآن بعيونهم من غير أن يحركوا به ألسنتهم، وهذه الصورة تحْرمهم من أجر القراءة الوارد في عدة أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"، وقوله: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها..."، فلا بد من تحريك الشفاه بالقراءة، وقرْنُ ذلك بإسماع المرء صوته أولى وأحسن، لقوله صلى الله عليه وسلم: "زيِّنوا القرآن بأصواتكم"، والله تعالى أعلم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وصحفي في جريدة "السبيل" الأردنية، باحث في شؤون الحركات الإسلامية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …