رمضان السلف

الرئيسية » حصاد الفكر » رمضان السلف
ramadan12

السلف الصالح صحابة رسول الله والتابعون وتابعوهم هو أكثر الناس حبًّا لله، أكثرهم عبادة خالصة لوجه الله تعالى، لا ابتغاء لأي شيء سوى رضاه عز وجل.

إذا كان هذا حالهم في سائر الأيام فما بالكم بحال السلف الصالح في شهر رمضان المبارك؟!

كان السلف في شهر رمضان المبارك وأولهم الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- ومَن بعدَهم من التابعين، أحوالهم وأفعالهم مُستقاةٌ من الإمام القدوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان عليه الصلاة والسلام جوادًا كريمًا، يطعم الطعام، ويقرأ القرآن، ويقوم الليل حتى تتفطر قدماه، إلى غير ذلك من العبادات والطاعات التي يضاعفها -صلى الله عليه وسلم- في رمضان أكثر من غيره من الأزمان، والسلف الصالح على أثره ماضون، وعلى خطاه سائرون.

فكان أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- كثير البكاء وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن، وكان في خدِّ عمر-رضي الله عنه- خطَّان أسودان من كثرة البكاء. وكان عثمان -رضي الله عنه- يختم القرآن في ركعة، لك أن تتخيل ركعة واحدة يختم بها القرآن! الله أكبر! ما أعظمها من همة وحب للطاعة.

وها هو ذا الإمام مالك بن أنس، الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوقفها في رمضان؛ لأنه ينشغل بشهر القرآن، الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث، ومن مجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

وهذا سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات، وأقبل على قراءة القرآن.

وكان محمد بن إسماعيل البخاري -صاحب الصحيح- يختم في رمضان في النهار كلَّ يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كلَّ ثلاثَ ليال بختمة.

وكان ابن عمر رضي لله تعالى عنهما يصوم، ولا يفطر إلَّا مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعش تلك الليلة.

هؤلاء وغيرهم كثير من السلف الصالح ممن أخذوا القدوة رسول الله طريقًا لهم ونهجوا نهجه في العبادات والطاعات خالصة لله وحده.

والسلف ليسوا رجالا فقط، فقد كان نساء النبي خير نساء هذا الزمن، فيروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت في يوم واحد بمائة ألف، وكانت صائمة في ذلك اليوم، فقالت لها خادمتها: أما استطعتِ فيما أنفقتِ أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لو ذكرتِني لفعلتُ!

هذا هو حال السلف فماذا من حالنا نحن في رمضان؟ انهضوا ودعوا مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والمحادثات الطويلة التي تستغرق ساعات وساعات لا تنتهي في أمور اللهو والعبث.

اتركوا المسلسلات والأفلام والفوازير والمسابقات التي تنتظرونها من رمضان إلى رمضان وتترقبون الإعلان عنها قبل رمضان وتسعدون بها، وكأن رمضان هو شهر الترفيه عبر شاشات التلفاز.

أَمَا آن لكم الوقت أن تخجلوا من أنفسكم وتنظروا إليها مطأطئي الرأس، فربك الكريم أهداك شهرًا لتعيد فيه نفسك، وترتب شتات أمرك، وأَتْرِبَة السنة التي علقت بك من وساوس الشيطان وفتن الأيام، لتذوب في رحمة الله، وتغتسل من ذنوب الأيام، كل هذا الكرم من الله وأنت تقابله باللهو والضياع والانخراط في سوء النفس وتخرج من الشهر كمن ضاع عمره وتحطمت قواه.

احذر أخي الكريم فإن رمضان تتضاعف فيه السيئات كما تتضاعف فيه الحسنات، احذروا ولا تقابلوا الإحسان بالفقر والضياع.
اقبلوا على الله بكل قوة عودوا إليه خاضعين باكين في جوف الليل، توبوا إليه توبة صادقة، اسعوا فيما أنتم مقصرون فيه دائمًا واجعلوه هدفًا أمام أعينكم لتحققوا نجاحًا فيه، حافظوا على الفرائض في أوقاتها، ثم أدركوا السنن، ثم أحيوا ليلكم بالقيام والتهجد والدعاء.

اقرؤوا القرآن وتنافسوا في ختمته أكثر من مرة كما كان يفعل السلف الصالح، واجعلوا لكم بجوار هذه الختمات ختمة للتدبر والفهم، سيروا فيها متأملين كلام الله مفسرين له متفقهين فيه، عسى أن تصيب قلوبكم بعض آياته فتزيدكم خشوعًا وخضوعًا وتقوى، أقْبِلوا على القرآن قبول المشتاق المحب.

وبجوار العبادات افعلوا كل فعل الخيرات، تصدقوا وأطعموا واكسوا واسعوا في قضاء حوائج الآخرين.

ولا تنسوا التفريج وفك الكرب على المسلمين، فهي من أعظم العبادات، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ..».

ولا تنسوا إدخال الفرحة على قلوب الناس ولا سيما الأطفال منهم، ولا تنسوا ليلة العيد ونشر الفرحة ليفرح كل فقير ومسكين وصغير وكبير.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • صحيفة الشرق القطرية
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …