رمضان وعقدة المثالية!

الرئيسية » خواطر تربوية » رمضان وعقدة المثالية!
praying-muslims-min

لعلّ كثيراً منّا يبدأ قبيل رمضان بإعداد قائمة الأمنيات الروحية، وسرد كافة الأهداف والأحلام والطموحات التعبدية التي ليس بعدها مزيد، فتجد أهداف ختم القرآن عدة مرات، والاشتراك في الأنشطة التطوعية المختلفة، والتزاور والتراحم، وقيام التراويح والتهجّد والسهر طوال الليل، ثم إدراك الفجر والشروق والأوراد والضحى، كل ذلك بروحانية وذهن صافٍ ونفس متيقظة.

ما مشكلة مثل هذه الأهداف التي تنتهي في (70%) منها حبيسة الأوراق، أو تعاني من هبوط حاد بعد عدة أيام فقط من بداية الشهر؟

رمضان ليس نهاية طريق السعي إلى الله تعالى، ولا هو القمة التي لا مزيد بعدها، أو التي يسهل الانحدار بعدها، رمضان محطة كبرى على طول طريق متسق مسدد ثابت الغاية، فإذا تخيّلنا السعي إلى رضا الله تعالى درجات يرتقي بعضها فوق بعض، فرمضان كأنه الحافز الإضافي الذي يقفز بك عدة درجات دفعة واحدة في مدة يسيرة، لمن أحسن استثماره، رمضان دفعة كبرى وليس المنتهى الأوحد.

ومن ثم ينبغي أن نتعامل معه على أنه فترة تدريب وتهيئة لمرحلة أعلى على طول طريق البناء الذاتي؛ لنكون أفضل بعده مما قبله، لا لنكون الأفضل مطلقاً، ولا لنتوقف بعده عن المضي على نفس النسق.

رمضان ليس نهاية طريق السعي إلى الله تعالى، ولا هو القمة التي لا مزيد بعدها، أو التي يسهل الانحدار بعدها

1. رمضانك هو رمضانك أنت!

لكل منا رحلته الخاصة وسعيه في سبيل الله تعالى، ولكل منا تصوّر مختلف عن الزاد الذي يحتاجه من المحطة الكبرى خاصة، وذلك الذي يمكن تأجيل التزود منه لاحقاً، وإذ ذاك فليس لك أن تخطط لرمضانك واضعاً في حسبانك أهداف غيرك أو ما جرى العرف به، بل ادرس نفسك أنت كأنك مقبل على تدريب وإعداد تأهيلي ، تختار فيه المواد التي ترى أنك تحتاج دفعة فيها، أن تختار محورين أو ثلاثة لرمضانك، مدروسين وعن وعي وبصيرة وإيمان منك خير من أن تختار ثلاثين، وتخرج منه أسوأ مما دخلت! لِما يلحقك من شعور بالذنب والتقصير وفقدان لروحانيات، لا يمكنك استشعارها؛ لأنك لم تقنع بها بداية ولا رأيت لها حاجة.

قارن نفسك بنفسك، وطموحك لجنتك وقربك أنت من الله، واذكر أن الله تعالى قد هداك سبله، فألزِم نفسك بما ألزمه الله عليك من مقاصد وآداب، وتوسع في غير ذلك من صور وأعداد.

2. رمضان محطة سنوية:

فمن الذكاء أن يكون تخطيطك فيه بالكيف لا بالكم، وأن تكون شديد الانتقائية في تخير أهدافك، فليس هذا أوان عمل كل خير على وجهه، ولا وقت حشد أهداف الوجود جمعاء، لا الوقت يسع ولا طاقتك ستتسع لكل شيء بنفس اليقظة!

والعبرة في رمضان أن تتيقظ لنفسك، فتتدارك ما فات من حقها عليك، وتعدّها لما بعد ذلك من عطاء ، وليس الشأن في مضاعفة الثواب، بل في مضاعفة استشعارك المنّة والفضل والقرب لواهب الثواب، وإلا لماذا خصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم المغفرة فيمن صام وقام "إيمانا واحتسابا"؟ ليس مجرد الصيام والقيام، وليس مجرد الاحتساب الروتيني، بل لأنه أوان تجديد شباب قلبك!

تذكر أن رمضان دفعة وتهيئة لما بعده حتى رمضان التالي، وليس نهاية المطاف ولا السعي ما بقي فيك نفسُك يتردد، ولم نسمع عن أحد تدرب ليكتفي بتدريبه بغير أن يوظفه في عمل بعده، وإنما العمل الحقيقي والاختبار الحقيقي يبدأ بعد رمضان، بعد التأهيل والإعداد والتجديد، بحسب النقلة الجديدة التي ارتقيت إليها والدفعة التي صعدت بها، تغيير تصورك وعقليتك عن رمضان هو الخطوة الأولى تجاه حسن الإفادة منه، على ما يريد المنعم به.

تغيير تصورك وعقليتك عن رمضان هو الخطوة الأولى تجاه حسن الإفادة منه

3. وإنه ليسير على من يسّره الله عليه:

تذكر أن الله تعالى أراد لهذا الشهر أن يكون شهر يسر لا عسر ، فإنك قد تصوم في غير رمضان فتلقى مشقة لا تستشعر نفس ثقلها في رمضان بالذات بعد الأيام الأولى، مهما كانت ظروف الصيام فالله تعالى ييسره، وكذلك مهما كانت مخاوفك من أدائك، فالله تعالى سييسرها لك وييسرك لها يقيناً  فقد قال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة، الآية:185]. وذلك لمن صدق الرغبة إلى ربه، واستعان به في كل أمره.

بالله لا بنفسك تبلغ، والله تعالى الموفق والمستعان، لا يضيع من رجاه ولا يخيب من دعاه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …