شرع الله الصوم في شهر رمضان لغاية عظيمة، هي تحصيل تقوى الله جلّ وعلا، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق، فليست الغاية من الصوم إدخال الضرر أو المشقّة على العباد، والتي قد يقع بها بعض المسلمون، ولا يلتزمون بأحكام وآداب شهر رمضان، فتصدر منهم الأخطاء والمخالفات التي تؤثر على صومهم، أو تنقص أجره وثوابه، وتكون سبباً للذنوب.
ويُذكِّر الشيخ "عبد الباري خلة" -رئيس لجنة الإفتاء في كلية الدعوة الإسلامية بغزة-: "أن من الأخطاء الشائعة في رمضان قراءة القرآن لفترات طويلة، وختم المصحف بيوم واحد دون فهم أو تدبر، والنوم لساعات طويلة في النهار، وترك الصلاة في موعدها، وإعداد الولائم المبالغ فيها، إضافة إلى التسوق المبالغ فيه قبل رمضان من مأكولات ومشروبات، والهدايا الرمضانية وتكلفتها الزائدة، ما قد يمنع الشخص عن الزيارات".
ومن الأخطاء التي يعددها أيضاً: "اصطحاب الأطفال -صغار السن- إلى المساجد في صلاة التراويح، واختفاء الشعائر الرمضانية ما بعد الإفطار، وارتفاع الأسعار في رمضان، وقضاء معظم الوقت في مشاهدة برامج التلفاز والمسلسلات".
- تضييع الوقت بالأفلام والمسلسلات:
ويقول "خلّة" لـ" بصائر": "ظاهرة تضييع الوقت في رمضان في مشاهدة المسلسلات والأفلام وفي المسابقات الثقافية والدينية وغيرها ظاهرة خطيرة؛ كونها تشغل المسلم عن استثمار شهر رمضان. –مضيفًا- يُؤجّل عرض المسلسلات إلى شهر رمضان، وكأنّه للعب وتضييع الأوقات، والهدف منها تفريغ الشهر الفضيل من مضامينه الإيمانية والنفسية والصحية!".
ويتابع: "وكذلك الحال فيما يتعلق بالمسابقات الرمضانية التي يتعمَّد أصحابها أن تكون في رمضان، وهي تضيّع الوقت؛ حيث ينشغل الشباب في حلّها، وإن كان هناك بعض الإيجابيات من معرفة بعض المعلومات، علاوة على وجود الميسر والقمار في بعض المسابقات، والميسر محرم شرعًا".
ويوضّح: "بعض الناس ربما نام النهار، وسهر الليل، يشغل وقته في الليل بما لا ينفع، وفي النهار ينام حتى لا يشعر بألم الجوع والعطش، ويتنقل بين القنوات التلفزيونية باحثًا عن الملهيات المختلفة، وهذا مناقض لغايات الصيام وحكمته، وإن كان الصيام صحيحًا إلا أنه ناقص الأجر والثواب، ولا بد أن يستثمر المسلم وقته في طاعة الله".
ومن الأخطاء التي لا بد من تجنبها، الإسراف في الطعام، إذ يقول تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وبحسب "خلّة"، فإن: هذه الآية الكريمة اشتملت على نصف الطب، فإن أكثر الأمراض من التُّخمة، وإدخال الطعام على الطعام، وقد ورد في الحديث الشريف: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) [رواه الترمذي وغيره].
ويبيّن: "الغذاء في الإسلام وسيلة لا غاية، فهو وسيلة لحياة الإنسان، وجعل الله في الإنسان ميلاً للطعام؛ ليبني به جسده، ويتلذّذ به في حياته، لكنه مقيّد فيه بالمحافظة على صحته، وشهر الصيام هو فرصة لكبح النفس عن شهواتها، وموسم من مواسم الطاعة، ودورة تربوية، فيقلل فيه المسلم الطعام والشراب والشهوات؛ لينال الفضل والمغفرة من الله تعالى ".
من جهته يذكر الدكتور "إسماعيل الأسطل" -أستاذ مساعد بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية-: "من الأخطاء الشائعة لدى المسلمون في رمضان عدم إدراك البعض لفضائل هذا الشهر الكريم، فيستقبلونه كغيره من شهور العام، وقُصارى اهتمام بعضهم به أن يستقبله بشراء الأطعمة والمشروبات، بدلاً من الاستعداد للطاعة!".
وقال الأسطل في حديث لبصائر: "البعض –للأسف- يتأفف من دخول شهر رمضان، ويتمنى ذهابه وسرعة زواله؛ وذلك لما يَشعر به من ثقل الطاعة على نفسه والحد من شهواتها، فلا يستشعر معنى التعبد وحلاوة الطاعة".
*النميمة وسوء الأخلاق:
"ومن أخطاء الصائمين عدم تجنب المعاصي أثناء صيامهم، فتجد الصائم يتحرز من المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع، لكنه لا يتحرز من الغيبة والنميمة واللعن والسباب والنظر إلى المحرمات –مشيراً- الى أن الله شرع الصوم لغاية عظيمة، هي تحصيل تقوى الله جل وعلا، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق، فليست الغاية من الصوم إدخال الضرر أو المشقة على العباد".
وأضاف "الأسطل": "كلما كان الصوم موافقاً للأحكام الشرعية والآداب المرعية كان أكثر ثمرة وأعظم أجراً مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (رواه البخاري).
وأشار إلى: "سوء الخلق، وسرعة الغضب، والطيش في نهار رمضان لدى بعض الصائمين؛ بسبب الجوع وخلاء البطن، مع أن المفترض أن يهذب الصوم أخلاق الصائم، ويضبط مشاعره وانفعالاته، متمثلاً قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (الصّوم جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ، أو شاتمه، فليقل: إني صائم) [رواه الشيخان]".
ولفت إلى: "اتخاذ بعض الناس شهر رمضان فرصة للنوم والكسل في النهار، وما يترتب عليه من إضاعة الصلوات أو تأخيرها عن وقتها، والسّهر في الليل على ما يسخط الله ويغضبه من لهو ولعب ومشاهدة القنوات، فتضيع بذلك على الإنسان أشرف الأوقات فيما لا فائدة فيه، بل فيما يعود عليه بالضرر في العاجل والآجل".
* آداب يتحلى بها المسلم:
واتفق كلاً من "خلة" و"الأسطل" على بعض الآداب التي يجب على كل مسلم أن يتحلّى بها في رمضان، فالضيف يجب أن يراعي آداب المكان، وحرمة صاحبه، ونحن في بيوت الله جئنا لعبادته، وخاصة في شهر رمضان وفي صلاة التراويح، فلا بد من آداب نتخلق بها، أوّلها- أخذ الزينة عند كل صلاة؛ لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف،آية31]، فيستحب التجمل عند الصلاة ولا سيما يوم الجمعة، ويوم العيد، وفي المناسبات والاجتماعات، ولا ينبغي للمسلم أن يذهب للمسجد بثياب النوم، أو بثياب المهنة حيث القذر وكراهة الرائحة، وفي صلاة التراويح يكثر المصلّون، فلا بدّ من لبس أفضل الثياب .
وأشارا إلى أنه من الآداب -أيضاً- عدم رفع الأصوات، إذ لا ينبغي رفع الصوت حتى بالذكر وقراءة القرآن، ومن أمثلة الصوت المزعج في رمضان التسوّل حول المساجد، وتشويش الأطفال على المصلين بما يفقدهم الخشوع، وأصوات ألعابهم النارية، وكذلك رنين الهواتف المحمولة.
وأكدا على ضرورة عدم أكل الأطعمة ذات الرائحة الخبيثة كالثوم والبصل، والدخان قبيل التوجه إلى المساجد، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) [رواه الشيخان].
ومن الآداب التي يتحلى بها المسلم –وفقهما- استحضار نعمة الله عليه؛ حيث وفّقه للصيام ويسره عليه، فكم من شخص يتمنى الصوم ولا يتيسر له!
كما أكدا على أهمية نظافة المساجد، فلا ينبغي أن تكون بيوتنا أفضل حالًا من مساجدنا بل مثلها، ولذا فإن من يقوم عليها له أجر عظيم.