أيام قليلة تفصلنا عن الدخول في شهر رمضان المبارك، ذلك الشهر الذي يطمح فيه المسلم لنيل الحسنات والوصول إلى المراتب العليا في العبادة والتضرع إلى الله تعالى، فلقد خص الله تعالى الشهر الكريم بخير كثير، ففيه أنزل القرآن، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهو شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفيه يضاعف الأجر. فكيف لنا أن نستقبل شهراً أعطيت الأمة فيه من الخصال ما لم تعط في شهر غيره؟
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية الدكتور صلاح فرج أوضح أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخص عباده بالخير والإجزال في العطاء فإنه يعطي العابدين والمطيعين له أكثر من العصاة.
وقال في حديثه لبصائر: "أرأيت لو أن أباً أراد أن يخصّ أبناءه ببعض الهدايا إكراماً لهم، فهل من المنطقي والمعقول أن يعطي أبناءه المطيعين مثلما يعطي من عصوه من أبنائه، أم أنه سيخص المطيعين بأكثر مما يعطيه للعاصين تشجيعاً للمطيعين، وتحفيزاً للعاصين على الإقلاع عن معصيتهم حتى ينالوا فيما به مثلما نال إخوتهم المطيعين؟!".
وأضاف: "وهذا هو الحال في شهر رمضان، وهو الشهر الذي يضاعف فيه الله أعمال العباد، ويُجزل لهم فيه العطايا، وهو شهر مغفرة الذنوب، وقد دلت النصوص النبوية على أن الله تعالى يعطي على الصوم ما لا يعطيه على غيره من العبادات، ولكن هل يعطي الله الذين يعرضون عنه ويعصونه طيلة العام كما يعطي غيرهم من المطيعين والمتقربين له بصنوف القربات المفروضات والنوافل؟!".
واستدل بقول الله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر:38]، وقوله عزّ وجل في آية أخرى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8].
وأشار إلى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها: "أجرك على قدر نصبك"، مبينا أن النصب هو التعب والمشقة، فبقدر ما يتعب الإنسان في عبادته لله تعالى بقدر ما يكون له أجر، وبقدر ما يقدم الإنسان من طاعات وقربات لله يكون له بها أجر من الله تعالى.
وبين د. فرج أنه بناء على ذلك؛ فإن كل من أراد أن يغتنم "موسم التجارة مع الله تعالى" في شهر رمضان، فإنه ينبغي أن يستقبل هذا الشهر وقد تخفف من ذنوبه بالتوبة، لأنه لا يليق بمن يطلب الأجر من الله تعالى أن يطلبه وهو في حال المعصية.
وأشار فرج إلى ضرورة أن يحرص المسلم على الدعاء بأن يبلغه الله شهر رمضان وهو في صحة وعافية، حتى ينشط في عبادة الله تعالى، من صيام وقيام وذكر، مستدلاً بحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» "رواه أحمد والطبراني - لطائف المعارف".
وأضاف: الحمد والشكر على بلوغ رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة نعمة عظيمة، وبالتالي هذه النعمة تستحق الشكر والثناء على الله المنعم المتفضل بها، فالحمد لله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
ولفت إلى أهمية العزم والتخطيط المسبق للاستفادة من رمضان والتخطيط لاستغلاله في الطاعات والعبادات، مشيرا إلى أهمية أن يضع كل مسلم برنامجاً عملياً لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله.
وتابع فرج:" علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات، والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟ قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31].
من جهته شدد الداعية رامز العرقان على ضرورة التهيئة النفسية والروحية من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل، وسماع الأشرطة الإسلامية من المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه؛ حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه، مشيراً إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يهيئ نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر فيقول في آخر يوم من شعبان: "جاءكم شهر رمضان".
وقال العرقان في حديث لبصائر: "يجب أن نستقبل شهر رمضان بحسن الخلق مع الناس كلهم ولا سيما المراجعين لمعاملاتهم ولا نجعله شهر هم وحزن، بحيث يقصر الشخص في عمله الذي أوكل إليه من قبل ولي الأمر".
وأكد العرقان على ضرورة الفرح والابتهاج بمجيء الشهر الفضيل كما كان السلف الصالح من صحابة رسول الله يهتمون بشهر رضمان ويفرحون بقدومه مستدلا بأن النبي صلى الله وعليه وسلم كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان، شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم".
ولفت إلى أهمية استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام؛ لأن تجديد النية أمر مهم فبعض الناس تعوّدوا على الصيام ولم يستشعروا الأجر والثواب المترتب على الصيام، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيمانا ًواحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".